بدأ العصر الذهبي لجماعة الحوثي مع اندلاع ثورة 11 فبراير في 2011م، وجاء مؤتمر الحوار الوطني فرصة سانحة استطاعت الجماعة من خلاله تقديم نفسها بصورة مدنية إثر اختيار أعضاء مدنيين يتمتعون بعلاقات جيدة مع معظم القوى السياسية لتمثيلها، وكسبت تعاطف كثير من النخب والقيادات.
وتصاعدت مكاسب الجماعة في فترة قياسية، وكان اتفاق السلم والشراكة ذروة ما حصلت عليه الجماعة، لكنها طمعت بالمزيد واستعجلت و"من شاؤه كله فاته كله"، وأقدمت على خطوات غير مدروسة تزامنت مع جملة من الأخطاء الفادحة ليبدأ حينها العد التنازلي للجماعة وها هي تخسر يوميا بفعل أخطائها المستمرة، وهذه أبرزها:
* لم تقدم الجماعة نموذجا مثاليا في إدارتها لمحافظة صعدة طيلة السنوات التي أحكمت سيطرتها عليها، وظلت تروج لحكاية الأمن والأمان في صعدة بينما الواقع لم يكن أمنا طبيعيا، وإنما حالة سكون نتيجة الخوف والقمع والاضطهاد الذي مارسته الجماعة تجاه أبناء المحافظة وبالذات المناوئين لها، ولو أن الجماعة قدمت نموذجا رائعا في إدارة صعدة لكان ذلك كفيلا بتسويقها في كل المحافظات اليمنية.
* ليس لدى الحوثيين مشروع وطني ولا حتى رؤية لإدارة الدولة، وبدا أن مفهومهم للدولة لا يتجاوز تحصيل الضرائب والواجبات وصرفها على الأتباع، وحتى حديثهم عن إصلاح أجهزة الدولة ظهر سطحيا حيث اقتصر مفهومهم لمحاربة الفساد على تعيين أتباعهم في أجهزة الرقابة والمحاسبة، وكأن إسنادهم برئاسة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة العليا لمكافحة الفساد كافياً للقضاء على الفساد، ولم يستوعبوا أن الفساد في البلد منظومة متكاملة تبدأ بالتشريعات وتنتهي بالأجهزة المعنية، وإدارة هذه الأجهزة في ظل هذه الأوضاع لن يغير شيئا من واقع الفساد.
ولو أن الجماعة تمتلك رؤية لإدارة الدولة لما قفزت هذه القفزة نحو إسقاط الدولة، ولأدركت مبكرا أنها لن تتمكن من حكم اليمن إطلاقا لسببين رئيسيين: أولهما أن غالبية الشعب اليمني لا يقبل مشروعها، والسبب الثاني أن الخارج يقف ضدها وبالتالي سيخنقها اقتصاديا، وإيران مشغولة بنفسها وغير قادرة على حل مشكلتنا، وها هي طهران لم تقدم شيئا لليمن في هذه الأزمة العصيبة سوى كراتين ماء!
* لم تعمل الجماعة على طمأنة الخارج الذي لديه مخاوف من ظهور أذرع جديدة لإيران في المنطقة بل ذهبت إلى التحرش به بإجراء مناورة عسكرية قرب الحدود السعودية، ولم تطمئن الداخل أيضا من أنها ليست أداة إيرانية لخدمة مشروع فارسي في المنطقة على حساب المصالح الوطنية لشعور الداخل أن مشاريع طهران لم تدخل بلدا إلا جلبت له الدمار والفتنة المذهبية وعدم الاستقرار، وأظهرت جماعة الحوثي تبعية زائدة لطهران كانت في غنى عنها، وأول عمل قامت به بعد سقوط العاصمة هو توقيع اتفاقية مع هيئة الطيران الإيرانية لتسيير رحلات جوية وهي لا زالت سلطة غير شرعية، ولا زال الرئيس الشرعي للبلد ورئيس الحكومة داخل اليمن، وصمتت عن تصريحات لمسؤولين إيرانيين أعلنوا فيها سقوط صنعاء في أيديهم رغم ما تمثله هذه التصريحات من انتهاك للسيادة اليمنية.
* تناقض في خطابهم الرسمي أفقدهم مصداقيتهم، ويكفي أنهم يرفعون شعار الموت لأمريكا ويتحاورون مع الأمريكيين في الغرف المغلقة، وكل الأخطاء التي اتهموا بها خصومهم أثناء الفترة الانتقالية مارسوها بصورة أسوأ من سابقيهم وهذا فضحهم أمام الرأي العام وظهروا أنهم لم يكونوا صادقين في انتقاداتهم السابقة أو ينطلقوا من مبدأ، وعلى سبيل المثال كانوا يتهمون خصومهم باستغلال الإعلام الرسمي المملوك للشعب بينما هم حولوه إلى ناطق رسمي باسم جماعتهم، واتهموا خصومهم باستغلال وتسييس الجيش والوظيفة العامة ومارسوا كل ما كانوا يعيبونه بالأمس مما أضعف خطابهم.
* تحالفهم مع صالح بقدر ما ساعدهم على التوسع إلا أنه ضرب مظلوميتهم في الصميم وأفقدهم قضيتهم وأساء لسمعتهم كثيرا بل نسف تأريخهم، والعجيب أنهم استنكروا انضمام قيادات عملت مع صالح للثورة الشبابية وذهبوا للتحالف معه وهو الرجل الذي ظلوا لسنوات يقولون عليه إنه مجرم وفاسد وخائن وعميل، والمسؤول الأول عن كل الحروب التي شنت عليهم، وتأريخ صالح حافل بالغدر والخيانة ولهذا تخلت عنه السعودية، وهو يقاتل اليوم معهم كرد فعل على تجميد أرصدته بالخارج ولو ضمن له الخارج إعادة أمواله سيتخلى عن الحوثيين بلحظات ويوقعهم بالحفرة.
* يفتقرون للكوادر المؤهلة والمدربة، وقد تجلى ذلك بوضوح في تشكيل لجنتهم الثورية العليا التي أسندوا إليها مهمة إدارة الدولة، ويفترض أن يختاروا لعضويتها من الشخصيات المعروفة التي لها تأريخ نضالي ووزن في الشارع وباع طويل في السياسة ورجال القانون وخبراء الاقتصاد، وليس المقالح والقيرعي والقانص ممن لا يقدرون على إدارة مطعم فول، ولهذا تحولوا إلى مادة للسخرية في مواقع التواصل الاجتماعي!
يوجد موالون للحوثيين ولديهم خبرة وتجربة وعلى قدر عال من التعليم لكنهم لم يستفيدوا منهم، وذهبوا لتعيين أشخاص غير مؤهلين ولا متخصصين في مؤسسات الدولة وخبرتهم الوحيدة هي القتال فقط لأنهم يدينون بالطاعة العمياء ويرددون الصرخة خمس مرات في اليوم، وهذه التعيينات أثارت السخط داخل مؤسسات الدولة لكنها لم تتحول إلى ثورة مؤسسات بسبب سيطرة حزب المؤتمر على الجهاز الإداري للدولة.
وبحسب مصادر خاصة فإن صالح أبلغ اتباعه بالعمل والقبول بأي وضع باعتبار أن ما يجري لن يطول وأنها فترة محدودة حتى يستتب له الوضع وبعدها سيقلب بالحوثيين ويعيد الوضع السابق، ولهذا تجد قيادات مؤتمرية تعتقد أن صالح سيطيح بالحوثيين بعد انتهاء المعركة ويحكم سيطرته على الدولة من جديد، وأكدت مصادر لصحيفة الناس أن صالح وعد قيادات مؤتمرية بمناصب مستقبلية!
* أسقطت جماعة الحوثي الدولة وأفقدتها وظيفتها وتدخلت في شؤونها عبر لجانها الثورية بصورة استفزازية وبدون دراية، ووصلت إلى درجة أن معينين من قبلهم قدموا استقالتهم احتجاجا على تدخل هذه اللجان وآخرهم أركان حرب القوات الجوية!
لم يترك الحوثيون الدولة تعمل بحرية ولم يقوموا بمهامها أو حتى يتحملوا جزءا من المسؤولية تجاه الناس، ويعملوا على توفير الخدمات الأساسية ولو من باب التمثيل للظهور بمظهر المسؤول والحريص على أوضاع الناس، لكن اللامبالاة قدمتهم للشارع اليمني أنهم لا يتمتعون بمسؤولية أخلاقية ولا يفكرون بعقلية السلطة.
ورغم أنهم أسقطوا الدولة في أيديهم إلا أنهم ظلوا يتصرفون كمليشيا خارجة عن النظام والقانون، والأصل أن يكونوا قدوة في احترام المؤسسات وأنظمتها لكنهم لم يعيروا الدولة أي اهتمام كاعتراف ضمني أنهم بلا شرعية، ووصل الأمر باستهتارهم بالدولة حد أن مدير أمن أمانة العاصمة يرفض توجيهات النائب العام، ويعتقل أعضاء مجلس نواب يتمتعون بالحصانة.
* مارست الجماعة سلوكيات تتعارض وعادات وتقاليد المجتمع اليمني كاقتحام البيوت وتفجيرها مما يؤلب ضدهم الجماهير، ومارست انتهاكات للحقوق والحريات منها إصدار توجيهات من وزير الداخلية الموالي لهم بمنع التظاهر، واعتقال سياسيين في سجون خاصة بعيدا عن النظام والقانون وتهديدات بحل أحزاب سياسية ومحاكمة ناشطين واقتحام وسائل إعلام، وحرية التعبير تمثل معيارا رئيسا للحكم على أي جماعة أو حزب يسعى للسلطة لقياس مدى تقبله للآخر والديمقراطية، ولهذا بدأت النخبة وبعض القوى تشعر بالخوف من وصول الحوثيين للسلطة.
* يطغى على خطابات زعيم الجماعة الخطاب الديني، وقوى اليسار لديها فوبيا من الخطاب الديني، والمرحلة تقتضي خطابا سياسيا وتقديم حلول للأزمة الراهنة في اليمن وليس مواعظ دينية.
* استعداءهم لحزب الإصلاح الذي يمثل تيارا شعبيا عريضا، وله تأثير كبير في الساحة اليمنية وحزب كبير لا يمكن تجاهله أو تجاوزه، والمشكلة أنهم ذهبوا لاستعداء الحزب بدون مبرر، والحكمة كانت تقتضي كسب هذا الحزب أو على الأقل تحييده لا دفعه وبالقوة للاصطفاف مع خصومهم، فهل هناك مصلحة فعلية للحوثيين من اعتقال قيادات الإصلاح؟
* الاعتماد على القوة وبس، والقوة لا تصنع انتصارات حقيقية وإنما مزيفة لا تصمد وسرعان ما تزول.
* خسروا عددا من حلفائهم المؤثرين، وأكبر خسارة لهم هي انتهاء علاقتهم مع الحراك الجنوبي، فقد مثلت الحرب على المحافظات الجنوبية صدمة للحراك خصوصا وأن الجماعة ظلت إلى وقت قريب تعير حلفاء حرب صيف 94م، وفجأة ذهبت مع صالح لشن الحرب على الجنوب وتكرار سيناريو أبشع من الماضي!
فصائل الحراك الجنوبي كانت تأمل من الحوثيين إنصافهم وتمتدحهم كونهم لم يتورطوا في دماء الجنوبيين أسوة ببقية القوى المحسوبة على الشمال، ولم تفق إلا على طعنة في ظهورها من الحوثيين لم تراعي حتى حساسية القضية الجنوبية، وزادت الحرب على تعز ومأرب الطين بله كون الأولى تمثل المدنية والسلمية والثقافة، والثانية المزود الأول للمشتقات النفطية في البلد وأي استهداف لها ينعكس سلبا على الخدمات العامة.
* يفتقر الحوثيون للحجة حيث أصبحت الاتهامات من قبيل العمالة لأمريكا وإسرائيل والدواعش والتكفيريين وغيرها اتهامات مستهلكة وتثير السخرية، ولم تعد تنطلي على الشارع اليمني، وأصبحوا بلا قضية عادلة ولا هدف مشروع.
* تضرر المواطنين من تحركاتهم المسلحة، وأي تحركات تتسبب في ضرر العامة تقابل باستنكار ولو كانت تحركات في سبيل قضية عادلة ناهيك عن كونها تحركات بهدف السيطرة والاستحواذ، ولهذا يخسر الحوثيون شعبيتهم بشكل كبير، وهذه قمة الخسارة.
* تورطوا في تعيين فاسدين - ولا داعي لذكر أسمائهم- وأقصوا خصومهم بدون ذنب، وأثاروا فزع الناس بإحياء العنصرية عندما اقتصرت تعييناتهم على أسر محددة، وكذلك ظهورهم بالمظهر الطائفي من خلال السيطرة على المساجد وتفجير دور القرآن ومحاربة صلاة التراويح.
هذه أبرز أخطاء الحوثيين التي توشك أن تقضي عليهم، وهم للأسف دأبوا على التعالي على أي نصائح تقدم لهم، ولا يعترفون بأخطائهم بل يريدون من الشعب اليمني أن يدفع ثمن أخطائهم وهنا المصيبة!
تجاهلوا شكاوى الخصوم والانتهاكات التي خرجت للعلن ولم يكلفوا أنفسهم التحقيق فيها وإظهار الحقيقة للرأي العام، ويبدو أنهم سيتجاهلون مراجعة مسيرتهم ومعالجة أخطائهم ولن يصحوا إلا وقد وقع الفأس في الرأس.
المنطق والعقل يحتم عليهم الآن إيقاف الحرب فورا والرضوخ للحوار بعد أن ثبت لهم عجزهم عن الحسم عسكريا، وأثناء الحوار يشكلون لجنة من العقلاء لاتخاذ قرارات ملزمة وسريعة للحد من تداعيات إدارتهم خلال الأيام الماضية كإطلاق المعتقلين والاعتذار للشعب اليمني.
وبعدها يبدأون في مراجعة منهجهم وأدبيات الجماعة وهيكلهم التنظيمي، وإزاحة قيادات الصف الأول في الجماعة نظرا لتورطها في دماء وانتهاكات وتلطخ سمعتها، وتعيين قيادات جديدة متخففة من أخطاء الماضي وتتمتع بسمعة حسنة لإعادة تقديم نفسها للشعب من جديد، ولا تغامر أكثر لأن المجتمعات لا تصبر طويلا وسرعان ما تنفجر، وحينها ستكون جماعة الحوثي قد قضت على مستقبلها للأبد.
* رئيس تحرير صحيفة الناس