في ظل الانقسامات الحادة التي اكتسحت وتكتسح الجغرافيا اليمنية وعجز اي تكوين من ان يثبت قدرة كافية على التعبير عن الكتلة الشعبية اليمنية التي مازالت معزولة عن صراعات النخب المتنوعة والمختلفة والمتناقضة فان استمرار الانقسامات على مستوى النخب والذي اصبح اجتماعيا بابعاد مناطقية ومذهبية يثير الكثير من عواصف العنف الاهلي والتي عادة ما تشعلها التناقضات التي اوجدتها وراكمتها تغيرات تاريخية ونزاعات دائمة واليوم تعيش اليمن حروب أهلية بعد ان فقدت ثقتها بالنخبة ويتم تحفيز غرائزها لتتمكن القوى المتنازعة من اثبات الوجود في لحظة فاصلة من التحول.
الأهم اليوم ان الدولة لم تعد موجودة وتحولت أذرعها الامنية والعسكرية ومربعات السلطة إلى أدوات تابعة لحركة أصولية متمردة بنزعة فاشية خمينية، والحروب الداخلية وانعدام الأمن وصعوبات المعيشة وفقدان الامل قد تؤدي الى غضب شعبي ليست المقاومة الشعبية إلا أبرز ملامحها وفي ظل تجاهل طبيعة المعركة من قبل القوى المؤيدة للشرعية وسعي هذه القوى لتنظيم نفسها في سياقات متعارضة مع أهداف المعركة التي يتحكم بمسارها التحالف العربي يجعل التفكيك مآل طبيعي وهذا الأمر ان لم يتم التحكم فيه فإنه سيكون العائق الاول أمام انجاز المهام والاهداف التي حددتها قوى التحالف العربي.
فالحروب الاهلية ستنمي التحيز الانعزالي ومراكز السيطرة التي تتحكم بمسار النزاعات قد تفقد قدرتها على التحكم ومع شبه إنهيار للدولة لن تتمكن مختلف القوى من لملمت قوتها ويصبح الصراع على الدولة ومؤسساتها المختلفة مستند على القوة وهذا سيؤدي الى استمرار تفكيكها وانهيارها وبالحد الادنى ضعفها وهيمنة اصحاب السلاح وأمراء الحروب عليها!!
من الواضح أن الحرب التي فرضها الانقلاب على الجميع وتداخل القوى في تحالفات متناقضة وصراعات القوى المتشابهة افقد الحراك السياسي من ان يمتلك قاعدة اجتماعية متماسكة لإسناد التحول، وافقد النخب القدرة على بناء مصالح مكتلة مراهنة على التغيير الذي يحمي مصالح الاطراف وقادها الى العجز عن بناء المشروع الواقعي الذي يحمي المصالح وفق صفقات تقلل من الخسائر ولا تقود الى رابحين وخاسرين بل الى ربح الكل تنتجه التنازلات المتبادلة.
المشكلة تتعاظم مع سيطرة الحوثي لان الفاعل السياسي الواقعي او المثالي يقاتل للخروج من المعضلة من خلال استراتيجية تركز على بناء القوة وإضعاف الآخر الذي يتم التعامل معه كعدو لا خصم سياسي بالامكان التعاون معه من خلال صياغة التسويات الملائمة النافعة للكل. والملاحظ ان السياسي اليمني انه مكيافللي متوحش بوجه ناعم وقناع منافق، يعمل على تشويه صورة خصمه ويسعى لإلغائه ليرث المصالح التي كان يسيطر عليها.
عندما رحل صالح ولديه القوة الكافية للمواجهة ظهر للرأي العام كسياسي مسئول وواقعي مراهن على استمرار وجوده في رقعة شطرنج الصراع، ومن وقع معه وقبل بالتسوية السياسية ايضا كان مسئولا الا ان الساسة في اليمن يتعاملون مع التسويات كمدخل لانجاز المهمات التي حددت سلفا قبل عقد العهود لذا فقد ركز المشترك عبر تحالفات واختراقات للمنظومة التي شكلها صالح وعبر ضغوط كثيرة لتصفية كل ما يمثل قوة اسناد للتيار الذي يمثله صالح وهذا بطبيعة الحال ينسف الثقة التي حاولت المبادرة تعميرها من خلال شراكة وآليات تجعل الكل شركاء ليس في الحكم بل في تحمل اعباء التغيير. ويبد ان يقين القوى المختلفة المعادية لصالح كانت على يقين تام أنه يعد العدة لانقلاب شامل يصفي كل خصومه بعد فشلهم في إدارة المرحلة الانتقالية واثبتت الايام ان توقعاتهم لم تكن مكتملة فقد تمكن صالح بعد ان تحالف مع الحركة الحوثية من الانقلاب ولم يكن التدخل العربي إلا القوة الحاسمة التي غيرات مسار المعركة واعادت صياغة الصراعات الجيوستراتيجية في اليمن بعد أن اعلنت اطراف رسمية إيرانية نجاحهم في تصدير ثورتهم الى اليمن وان صنعاء اصبحت عاصمة عربية تابعة للولي الفقيه.
لم يتمكن المشترك وهو تكتل لاحزاب المعارضة التي اصبحت حاكمة بعد الاحتجاجات بالشراكة مع حزب صالح المؤتمر الشعبي العام من اعادة بناء مشروعه وهو بطبيعة تجربته وتركيبته وتناقضاته صورة مخادعة لطبيعة الصراع ووظيفته مازالت هي لم تتغير فهو اداة منتجة ومولدة للصراع وتوظفه قوى متنوعة من داخله ومن خارجه، لإدارة العاب متلاحقة وقاسية.
اليوم الحراك الاجتماعي يمتلك القدرة الكافية لتحديد خيارات المستقبل وبوضوح تام وتمثل المقاومة الشعبية بكافة اشكالها ما هو بارز منها وما هو كامن وينتظر اللحظة المناسبة للالتحاف بالمقاومة الشعبية الوطنية، فالمقاومة اليوم ليست مرتبطة بالمراكز التي أدارت الصراع بل هي فعل تلقائي ينمو يوميا في ارجاء اليمن، صحيح ان هناك تواصل واتصال بين الاطراف التي ولدتها الفترة الماضية إلا ان الفعل المقاوم يمثل حراكا محتلفا وجديدا ومغايرا ويتحرك ولديه طموح واضح بالتجاوز ويمتلك الحافز الكافي لفرض رؤيته المستقبلية في الخروج من هذا التكرار البشع للصراعات عبر التناقضات التي بنتها النخبة لتستمر في السيطرة والهيمنة على حساب الشعب ومصالح الوطن الحيوية.
لم يعدّ أطراف النظام السابق بكافة تكويناته وتناقضاته يحمل أي رؤية جديدة ومازال خاضعا لوعيه التاريخي وتجربته الفاشلة وليس هذه المعاناة وهذا الواقع السيء والفشل الذي قادنا إلى التفكك والضياع والحروب العبثية إلا نتاج لمنظومة لابد ان يتم هدمها بالكامل وإعادة بناء اليمن وفق الخيارات التي تمكنه من الانطلاق في مجاله العربي والعالمي ككيان عقلاني متزن وملتزم بالأمن القومي اليمني كما هو لا كما تقرأه قوى المصالح الانتهازية ومافيا السياسة الفاسدة والتدميرية، وتشكل المقاومة الشعبية الطريق الاسلم والوحيد للوصول باليمن الى المستقبل.
المقاومة اليوم مازالت راضخة للوعي التقليدي للمدراسة السياسية التي انتجتها الفترات التاريخية للدولة الحدية وبالذات لمدرسة صالح السياسية التي أدخلتنا في معضلات متلاحقة ومآلاتها اليوم واضحة لكل مراقب في كل مكان في اليمن وهي مدرسة مسيطرة على وعي كافة الاطراف في الساحة مضافة إليها مدرسة الجنوب السياسية التي اسست لها النخبة الجنوبية اليسارية وغير اليسارية والتي مازالت مفاعيلها اليوم في الجنوب تقود الجنوب الى صراعات العبث والتناقضات وإدارة الصراع بالتآمر والارتهان لوعي مخابراتي حزبي خبيث مرتبط بالمصالح الاقليمية والدولية المتناقضة مع الجنوب وخياراته الطبيعية التي تحددها قواه وموقع الجغرافيا وتكامله المستقبلي مع جزيرة العرب ومع نصفه الآخر اليمن الشمالي، فهما كيان واحد في صراعات الجيواستراتيجيا وفي الوعي القومي للعرب ومصدر موحد جامع للأمن القومي في الجزيرة العربية، وخيارات الوحدة لا يمكن فهما بالطريقة التقليدية التي اسست لها مدرسة الشمال والجنوب التقليديتين بل لابد من مدرسة جديدة سترسمها المقاومة وتحالفها العضوي مع التحالف العربي.
الامر اليوم يحتاج الى التفكير بشكل جاد وواضح من القوى الجديدة والتقليدية وهي تخزض غمار المقاومة الشعبية في بناء كتلة وطنية واسعة بمشروع وطني مراهن كليا على الانسان اليمني في الداخل والخارج وعلى المصالح الوطنية اليمنية لا مصالحج النخب على الامن القومي العربي ومشروع النهوض العربي الاسلامي، وهذا يتطلب بالضرورة لملمت هذا الشتات في بنية المقاومة وبناء الطاقات في كتلة موحدة عبر المجلس الوطني للمقاومة الشعبية.
المجلس الوطني للمقاومة الشعبية لابد ان يكون اطارا مفتوحا ومدخلا جديدا لتثوير الحركة الوطنية اليمنية ونفض كل معضلاتها وتجاوز هزائمها ورضوخها للصراعات العبثية وخنوعها للايدولوجيات المدمرة للهوية الوطنية اليمنية ومصالح اليمن الطبيعية، المجلس الوطني يحتاج من الكتل الشابة ان تغادر هذا الصراع التقليدي الذي اسست له الاحزاب والايديولوجيات ومراكز القوى والمصالح الفاسدة وإعادة بناء مشروع الحركة الوطنية وفق مشروع يستجيب للمتطلبات والحاجات المستجيبة للانسان اليمني.
ان تكتيل المقاومة الشعبية من صعدة الى المره في مجلس وطني للمقاومة هو البداية الفعلية لكتلة تاريخية يمنية ملتحمة بالتحالف العربي وعليها ان تكون واقعية وبراغماتية وحاسمة في حماية مبادئ وقيم الامن القومي اليمني الذي لن يزدهر ويتولد بالحياة ما لم يكتمل بالعرب كخيار حاسم فالهوية اليمنية لا يمكن فهمها عبر الايديولوجيات الاسلاموية ولا القوموية الساذجة المعادية للعرب والموالية للايديولوجيات التقليدية العروبية المتأثرة بالنزعات عدائية انقسامية لمجالنا العربي.
المجلس الوطني للمقاومة الشعبية مهموم بالانسان وحريته وخبزة وكرامته وولادة اليمن المنفتح على العالم يمن ليبرالي يشبه نفسه وملتحم بهذا العالم المتجدد في كل لحظة اصبحت ضرورة تاريخية اليوم قبل الغد، علينا ان نجمع كل الطاقات الوطنية بلا استثناء لمناهضة الانقلاب واسقاطه ومع سقوطة ستسقط كل المنظومات القديمة التي دمرت بلادنا ولم تراهن إلا على مصالحها الانتهازية شخصية كانت او حزبية او مناطقية او مذهبية، لقد حان موعد ولادة القومية اليمنية قومية اكتمالها ووجودة يرتبط بشكل عضوي بالمشروع العربي.