إ
عبد الملك شمسان
التحليل السياسي بمعناه العام متاحٌ لكل إنسان، إذ أن كل شخص يتابع الأحداث بطبيعته ويحللها، ويكوّن فكرة عامة عنها، ويتوقع بناء على ذلك شيئا من المستقبل.
وكثيرا ما يقع الإنسان أثناء هذا التحليل السياسي –بمعناه العام أو بمعناه الخاص- تحت عاملين اثنين يؤثران فيه وفي تحليله، أو تحت أحدهما، وهما الخوف والرجاء. فكثيرا ما يحلل الإنسان الأحداث وفق ما يريده ويرجوه لا وفق ما تذهب إليه الأحداث فعلا، وكثيرا أيضا ما يكون الخوف هو العامل المسيطر، فيذهب بصاحبه إلى تعسف الأحداث وصرفها إلى حيث يخاف لا إلى حيث تمضي الأحداث على الواقع.
وبالنظر الآن إلى مؤيدي المقاومة الشعبية، ومؤيدي صالح والحوثي، وأن كل شخص من الفريقين متابع للأحداث ولا يتوقف عن التحليل، فإنهما في الغالب نموذجان لهذا المحلل الذي يقع تحت تأثير العاملين السابقين.
خلال عام كامل منذ أن بدأ صالح والحوثي حربهم في دماج وحتى دخولهم إلى عدن في مارس من العام الجاري وهم يحتفلون كل يوم بانتصار، فيما كان الآخرون يتعرضون كل يوم لانكسار، وحين اندلعت المقاومة كانت معنويات مناهضي الحوثي حدباء لا تقوى على الوقوف جراء ما تعرضت له من انكسارات خلال العام الماضي، ويحدث أنهم لا ينظرون إلى انتصارات المقاومة بالعين التي ينظرون بها إلى خسائرها عندما تحدث، وكثيرا ما يسيطر عليهم القلق وتطغى ملامح الخوف على وجوههم ويبدؤون باستعراض أشكال الخيانات والمؤامرات التي تعرضوا لها خلال ما سبق.
يريد مؤيدو المقاومة نصرا خاطفا، تحولا سريعا، نهاية عاجلة، يريدون أن يتنفسوا الصعداء بنصر نهائي لأنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك الآن مهما انتصروا، إذ ما تزال أحداث ذلك العام عصية عن مغادرة أذهانهم. وبالرغم من التقدم المستمر للمقاومة إلا أن بعضهم يشعر بالإحباط بمجرد أن يراها تخسر شيئا، أو لا يراها تتراجع هنا أو هناك حتى يبدأ بالتلفّت لقياس المساحة المتبقية خلفه..
تخوض المقاومة حربها المصيرية ضد صالح والحوثيين محملة بالقليل من السلاح وبالكثير من الحماس والأمل الذي يفتقد مؤيدوها الذين يتابعون الأخبار من خارج دائرة المعركة إلى القليل منه.
ما يزال صالح والحوثي وجنودهما يستمدون معظم طاقاتهم من انتصارات العام الماضي التي نعرف الجميع كيف تحققت، وكثير من مؤيدي المقاومة بالمقابل لا يزال يرزح تحت أثقال العام نفسه، والحقيقة أن الأمر ليس بأماني هؤلاء ولا بأماني هؤلاء، فهناك معطيات على الواقع تفرض نفسها، والمعطيات الواقعية تؤكد أن المقاومة التي تقاطعت مصلحتها مع مصلحة دول الجوار قد أُلقيت على صالح والحوثيين كعصا موسى فإذا هي حية تلقف ما حققوه، ليس فقط ما حققوه خلال العام الماضي، بل ما حققوه منذ 78م..
إب التي دخلها الحوثيون من غير مقاومة تذكر هي المحافظة الوحيدة التي تخرج اليوم بمظاهرات مناهضة، وقبائلها تتململ، ولا تزال الكمائن تعترض فيها إمدادات الحوثي وتعزيزاته، وتنفذ أشكالا من الهجوم، وإن كانت محدودة، وقبضة الحوثي وحلفائه فيها ترتخي يوما بعد آخر، وكذلك الأمر في الحديدة، وكذا في أكثر من منطقة بصنعاء، وفي عنس وآنس والحدأ بذمار.
أبناء مأرب كانوا يحتشدون ويتعاهدون على القتال من أجل الموت بشرف، وها هم اليوم يقاتلون من أجل الحياة بشرف، وفرقٌ كبير بين من لا يريد أكثر من الموت بشرف، وبين من يقاتل من أجل الحياة، وفرق بين من يحارب وهو لا يرى إلا الموت، ومن يحارب وهو لا يرى إلا النصر!!
الضالع التي سيطر عليها الحوثيون وعبروا منها إلى ما ورائها وهي واجمة لا تستطيع حتى أن تنظر إليهم شزرا، هاهي هتافات انتصاراتها تدوي في أرجاء اليمن.
عدن التي لم يعرف رجالها السلاح، ولم تكن لتصمد ساعات، هاهي نساؤها تقاتل مع رجالها وتصمد صمودا أسطوريا، بل وتحقق الانتصارات.
تعز لا تنسى أن الحوثيين كانوا يتوعدونها بالاجتياح بالعصا والصميل متوكلين على قوات صالح، وكانت هي تفاخر بمثقفيها وحملة الشهادات من أبنائها، وكأنها تبرر ما سيحل بها مسبقا إذ كانت تقول بذلك إنها لا تحسن الحرب وأنه لا ملامة عليها إذا حل بها ما حل بالمحافظات التي تهاوت قبلها تباعا، وأثناء ذلك لم تكن تأمل أكثر من أن يسيطر عليها الحوثيون بلا إهانات لأبنائها، وها هي اليوم تدهس عدوان الحوثيين وحلفائهم تحت أقدامها.
صالح والحوثي هم الآن من يجب أن يكرر النظر إلى الخلف باستمرار ويتفقد المساحة المتبقية خلفه، أما المقاومة فلا تنظر إلا إلى الأمام، هناك حيث مساحات المكان والزمان، بل الأمام "هنا" لا "هناك"، و"ما أقرَبَ اليومَ من غدِ"!!