باتت خيارات إيران للتعامل مع الوضع في اليمن بعد عملية عاصفة الحزم ثم عملية إعادة الأمل المستمرة محدودة وضيقة جدا إثر العزلة الذي فرضها التحالف على مليشيات الحوثي سواء بحظر استيراد السلاح والذي أصبح حظرا دوليا بموجب قرار مجلس الأمن أو بالتحكم بتراخيص دخول السفن التجارية والعسكرية للموانئ والطائرات للمطارات اليمنية.
ونتيجة لصدمة التدخل باليمن والذي طال الحوثيين أيضا، أصبح كل طموح طهران وقف العمليات الجوية للحفاظ على المكاسب العسكرية والسياسية للحوثيين ولم تدخر جهدا دبلوماسيا وإعلاميا وسياسيا إلا وقامت به طارقة أبواب العواصم المؤثرة من موسكو التي تربطها علاقات وثيقة تتجلى بوضوح بدعم نظام بشار الأسد بسوريا ومخاطبة الأمم المتحدة بضرورة وقف إطلاق النار من بوابة الهدنة الإنسانية.
أدركت حكومة الرئيس روحاني أن اليمن هي ساحة المعركة الأولى مع السعودية في ظل قيادة الملك سلمان الذي أحدث تغييرات هائلة في بنية نظام الحكم والسياسة الخارجية وقرر -على ما يبدو- مواجهة أو الحد من نفوذ إيران في المنطقة العربية والبداية من اليمن ثم سوريا وهو ما يعني الانتصار في المعركة الأولى لتكون الرسالة أبلغ لمن عبث بالأمن العربي بأدوات داخلية موالية له بلبنان وسوريا والعراق واليمن.
من هنا كانت خيارات إيران تضيق مع اشتداد الضربات الجوية ولم يعد بإمكانها تزويد حلفائها بالسلاح خاصة الصواريخ المضادة للطيران بسبب الحظر كما أسلفنا وهو ما جعلها تعيد طرق باب الهدنة الإنسانية وتكثيف الخطاب العاطفي بضرورة إنقاذ اليمنيين وكأنها لم تهديهم في الماضي سفن أسلحة كفيلة بتدمير بلدهم.
ولذلك فإن السيناريوهات أو خيارات إيران في ظل استمرار عمليات إعادة الأمل تتمثل في أربعة مسارات هي:
الأول استمرار الدعم السياسي والدبلوماسي للحوثيين للتمسك بالسيطرة على مؤسسات الدولة والمدن وهذا الخيار هو الأكثر ترجيحا للبقاء خاصة أنه يعزز نفوذها على الأرض ويمنحها فرصة للمناورات والمقايضة مع السعودية في ملفات تسوية أخرى.
وعمليا يعني فشل أي تسوية ممكنة في ظل الوضع الراهن وما فشل محادثات جنيف إلا دليل على ذلك والتي أظهرت عدم جدية طهران بها وتجلى هذا في رفض وفد الانقلابيين تسليم أسماء ممثليهم ودخول قاعة المشاورات وكل هذا مرده إلى عدم القبول بمرجعية المشاورات وأهمها القرار الأممي (2216) والذي ينص على الانسحاب من المدن وتسليم الأسلحة المنهوبة.
الخيار الثاني أن تلجأ طهران لخلط الأوراق وتعقيد المشهد اليمني بالعبث بأهم مشاكله وهي القضية الجنوبية ويتمثل هذا في الإيعاز لحليفها بالانسحاب من مدينة عدن وربما بقية مدن الجنوب وتسليمها للحراك الجنوبي المؤيد للانفصال والموالي لها والذي يتزعمه نائب الرئيس السابق علي سالم الأبيض ومن يؤيدونه في هذا الاتجاه.
وفي هذا السياق احتضنت مسقط في الأيام الماضية لقاءات جمعت قيادات من الحراك المطالب بالانفصال ومنهم رئيس الوزراء السابق حيدر العطاس وأحمد بن فريد وسعيد حريري مع قيادات حوثية حسب وكالة فارس الإيرانية وعلى ما يبدو أنه بحث اتفاق يقضي بتسليم مدن الجنوب لإدارة الحراك وبذلك تحقق طهران خلط الأوراق بدفع الأوضاع للقتال الجنوبي/الجنوبي بين المؤيدين والمعارضين للانفصال وإعادة تحسين الصورة التي تضررت بعد اجتياح الحوثيين للجنوب.
وأعتقد أن هذا السيناريو خطير يهدد الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي وتقليل فرص نجاحه مرهون بدمج الجيش الموالي للشرعية مع المقاومة تحت قيادة واحدة وتسريع وتيرة الحسم قبل التوصل لاتفاق بين الحوثيين والحراك المطالب بالانفصال.
ويتمثل السيناريو الثالث في محاولة الضغط واستثمار ورقة الوضع الإنساني في اليمن لإجبار السعودية والتحالف على وقف العمليات لهدنة قد تستمر أسبوعا أو أكثر دون التوصل لآلية مراقبتها كما كان في الهدنة اليتيمة أو عدم تزامنها مع الالتزام بوقف العمليات العسكرية البرية في الداخل وهذا السيناريو يمنح الحوثيين فرصة لالتقاط الأنفاس والاستفادة من المساعدات الغذائية والمشتقات النفطية للتزود وإضاعة الوقت بدلا من تضييق الخناق عليهم وصولا لدفعهم تحت ضغط القصف الجوي وضربات المقاومة للانسحاب والعودة للتوافق الوطني.
السيناريو الرابع والأخير وهو تمسك إيران برؤيتها لحل الأزمة في اليمن من خلال المسار السياسي قبل انسحاب الحوثيين من المدن وتسليم السلاح وهو ما لن يكون مقبولا ولن يمنح السلطة الشرعية أي جدوى وعلى العكس سيدخلنا في نفق المشاورات والمؤتمرات على نسخ «جنيفات» المعارضة والنظام السوري والنتيجة بقاء الوضع على حاله.
ويبقى السؤال الأهم وهو متى تضغط إيران على حليفها للقبول بحل سياسي مقبول؟ والجواب على ذلك مرهون بدعم المقاومة بالسلاح وتنظيم صفوف القوات الموالية للشرعية وتسريع الحسم وبمجرد دحر الحوثيين من عدن أو غيرها سوف تسارع إيران للضغط عليهم للانسحاب مقابل ضمانات بدمجهم بالعملية السياسية المقبلة حتى لا يخسروا وتخسر كل شيء في بلد نفوذها طارئ فيه.