استقالة شفيع العبد من الحزب الاشتراكي، وكذلك اتهامه الصريح للحزب بالتواطؤ مع الحوثيين وصالح، وخاصة في مسألة اجتياح الجنوب .. من المفترض أن لا تمر دون أن يثير أسئلة كبيرة.
شفيع العبد كان مقررا لفريق القضية الجنوبية في الحوار الوطني.
وبصورة عامة فالحزب هو تعبير مدني. والأحزاب التي تفشل في دخول البرلمان، أي تلك التي تنال درجة ضئيلة جداً من التأييد الشعبي، تتلاشى، ويقال عنها أدبياً إنها انتهت. تحرص الأحزاب، التي هي أحزاب، على سمعتها. يصل بها الأمر حد التعامل مع المواطن كزبون. الحزب الذي لا يأبه لكل ما يجري، ولكل ما يُقال عنه، ويضرب عرض الحائط بكل الملاحظات والانفعالات خارج أسواره هو حزب لا يأبه لمعنى كونه حزباً. أي لا يأبه للسياسة نفسها، ويصير تجمعاً أبعد ما يكون عن "حزب".
إذ يؤدي "سوء سمعة الحزب" إلى أن يقضي عليه الناخبون ويخرجوه من الحياة السياسية، كما يُحرم من المرور عبر عتبة البرلمان. الإف دي بي مثالاً، ألمانيا. تصبح مهمة العودة للحياة صعبة، للحياة السياسية. وسيكون على الحزب أن يغير من واجهته السياسية وخطابه ويعيد نصب متاريسه ومواقفه، ويتقمص حتى انفعالات جديدة. فالحزب يوجد ليكون تعبيراً مدنياً سياسياً. ولدى المواطن دائماً سوط العقاب. عبد الملك الحوثي لا يأبه لما يجري في العالم. فهو لا يعرف ما الذي يجري هناك، كما أن الحوثية ليست تعبيراً سياسياً، ولا هي استجابة تاريخية لمعادلة زمنية/لاحتياج بشري.
تقطع المجتمعات الحديثة أشواطاً سريعة دون الحاجة لعبد الملك الحوثي، ولا النموذج الذي يمثّله. لكن المجتمعات تلك تبقى دائماً في مسيس الحاجة لليسار، للاشتراكية. فهي المعادل الموضوعي للرأسماليات، وهي جرس الإنذار. أعني الاشتراكيات الديموقراطية، تلك المنحازة لقيم ما بعد الحداثة، كما في إسرائيل وفرنسا وألمانيا.
الحزب الاشتراكي ينتحر كحزب، ولا يأبه بالمرة لما يجري خارجه. وهذا ليس سلوك حزب. ويبدو أن الجميع في اليمن شرب من نهر الجنون، وصار للنهر اسم جديد: "نهر ما نبالي ما نبالي".
أعرف جيداً ان شفيع العبد كان يحرص، في السابق، على علاقة حزبه بالحوثيين. كان ذلك قبل سقوط صنعاء في يدي جماعة دينية مسلحة. وقد وعدتكم أن أذكركم بهذه الحادثة من وقت لآخر:
تقدم فريق القضية الجنوبية بطلب من أجل إبعاد علي البخيتي من الفريق في الأسابيع الأولى للحوار الوطني. كان البخيتي، بحسب بعض أعضاء الفريق، يبالغ في التعبير عن عن القضية الجنوبية حد الابتزاز. جرى الاتفاق على إخراج فنّي لانتقال البخيتي إلى فريق آخر، أي مغادرة القضية الجنوبية.
هكذا قرأنا بياناً للأخير يقول إنه غادر فريق القضية الجنوبية لأنه لم يلمس توجهاً جاداً لحل القضية. ملحوظة: يقدم الحوثيون حالياً ذلك التوجه الجاد!
في تلك الأيام توسل البخيتي لدى شفيع العبد، أعني بعد أن كتبت علانية ما الذي جرى. راح شفيع العبد وكتب في صفحته إن القصة ليست صحيحة بالمجمل، وتحدى الغفوري أن يؤكدها. وثلاثتنا نعرف أنها صحيحة!
طلب مني البخيتي، في أكثر من رسالة، الاعتذار عمّا فعلته. ورحت أكتب في صفحتي: اعتذر عن نشر تلك القصة الصحيحة. أما البخيتي فكتب على صفحته، عقب ذلك: قبلت اعتذار مروان الغفوري. وكان المشهد شبيهاً بكوميديا سوداء.
أما شفيع العبد فاختلى بنفسه، ثم عاد وقال إنه لم يشأ أن يتسبب في إحداث شرخ بين حزبه والحوثيين. وعدتُ فكتبت: إن تلك القصص تبقى صحيحة وإن كان من الصعب إثبات حدوثها ماديّاً.
وبعد أقل من عام اكتشف شفيع العبد أنه ليس بمقدوره أن يمشي مع حزبه أبعد من ذلك. وعلى الصعيد الشخصي فقد كنتُ أتوقع ذلك، ولا أدري لماذا. اكتشف الشاب شفيع، كما تقول كلماته، أن حزبه تواطأ مع ميليشيات صالح وميليشيات الحوثي في اقتحام المدن وتقويض الدولة واحتلال الحياة السياسية وتفجير المجتمع من الداخل وخلق أكبر مشهد للجوع في القرون الحديثة: ٢١ مليون جائع!
كما تشير كلمات شفيع العبيد، الاشتراكي السابق. أعني السياسي الشاب الذي كان يتحرك داخل الحزب، في الداخل تماماً.
بالنسبة لي، كمتابع، فما ورد في استقالة العبد يمثل ادعاء مخيفاً. وإذا صحت تلك الدعاوي فقد تلحق العار بسمعة الحزب لزمن طويل. ولكن لماذا يبدو الحزب الاشتراكي غير مكترث لكل ذلك؟