مروان الغفوري
ـــــ
في المنطقة الممتدة من باب المندب، تعز، إلى التواهي، عدن، وبموازاة هذه المنطقة من تعز إلى الضالع اعتمد تحالف صالح ـ الحوثي على "٢٤" لواءًا وقاعدة عسكرية. هذا العدد الخرافي من الألوية العسكرية صار حطاماً.
مضافاً إلى كل هذا التواجد العسكري المهيب دفع عبد الملك الحوثي بحشود "التعبئة العامة" وأموال المجهود الحربي. أضاف صالح الدرجة الثالثة من الحشد: شبكات المؤتمر الشعبي العام في تلك المناطق قامت بتعبئة موازية. وعملت معسكرات الأمن المركزي أيضاً، وهي معكسرات ضخمة، على الدفع بكل ترسانتها في القتال ضد المقاومة الشعبية.
كل هذه الجيوش جاء بها الحوثي وصالح لإطباق الخناق على عدن، في الأساس، ومحاصرة الحواضر المحيطة بها وأسرها، وفي الطليعة منها تعز. نصب الرجلان عرشاً على الجبل وأرادا بسط سجادة حمراء تضرب من المندب إلى التواهي، حيث قاعدة العمليات التابعة للمنطقة الرابعة، ومن التواهي إلى مقر النجل في سواد حزيز بجنوب صنعاء.
كل ذلك صار حُطاماً، وانتصرت عدن، انتصرت الضالع. وهاهي لحج وأبين وتعز على طريق الانتصار. مع انتصار عدن كانت الحقيقة الضخمة تقول: صار ٢٤ لواءًا وقاعدة عسكرية حطاماً.
للذكرى: توجد جامعتان فقط في تلك المنطقة الكبيرة وكثيفة السكان. أو ثلاث إذا أضفنا جامعة إب.
ذلك الجيش المهيب يوازي ثلث الجيش اليمني الإجمالي.
لنتذكر: قال وزير الداخلية قبل عامين إنه ذهب إلى تعز للتحقق من مسألة الانفلات الأمني فأخبره ضباط وزارة الداخلية في المحافظة أن جهاز الشرطة/ الأمن لا يملك سوى ١٢ طقماً عسكرياً في المحافظة كلها "٤ ملايين نسمة". وفي الحرب ضد المدن ظهرت آلاف الأطقم العسكرية ومئات العربات المدرعة. الشرطة التي لا تنشط سوى في مواجهتنا، والجيش الذي أعد فقط لقتال الذين لا يملكون سلاحاً .. هما جيش وشرطة لا يلزموننا، ولسنا بحاجة إليهما.
مساء الخامس عشر من يوليو قالت قناة العربية إن التحالف ينوي القيام ب٢٠٠ طلعة جوية فوق سماء عدن وما حولها في ليلة واحدة. الطلعات الجوية تنطلق مزودة بصور الأقمار الاصطناعية الفرنسية والأميركية، وهذا ليس تخميناً. كما تعزز بطائرات استطلاع مرافقة ذات كاميرات شديدة الحساسية. ومن الأرض تزودها المقاومة الشعبية بخارطة تواجد الميليشيا الإرهابية وعصابات صالح. وللسعودية كلمة أخرى، فلديها من رجال المخابرات في البلد ما يكفي لتعرف مقاس بنطلون الرجل ذي طابقين. "وصف يطلق على الإعلامي الحوثي محمد المقالح".
حتى يصير ممكناً أن تفلت عدن وتعز من جحيم الإمام الإلهي المتوحش كان على التحالف أن يعمل بوتيرة شديدة لأجل إخراج عدد ٢٤ لواءًا وقاعدة عسكرية عن الفاعلية. أيضاً: أن يقطع خطوط الإمداد من القلب "عمران، صعدة، صنعاء، الحديدة". وكان عليه أن يستهدف البنية التحتية والمخازن في صنعاء، كما شبكة الاتصالات. وفي طريقه لتحقيق كل ذلك حدثت أخطاء مروعة في: لحج، صعدة، صنعاء، وعمران. سقطت صواريخ على رؤوس السكان، وكانت مشاهد رهيبة. أراد صالح والحوثي أن يستخدماها من أخطاء التحالف، وهي أخطاء قليلة بالمقارنة بحجم العملية التي قام بها، على طريقة ملجأ العامرية، مما سيدفع التحالف إلى التحليق بعيداً عن معسكراته التي نصبها في المدن. كانت صحيفة الإندبندنت البريطانية قد دشنت عملية هجوم على السعودية انطلاقاً من خطأ حدث في لحج. بقيت السعودية واثقة من قدرتها على التحكم بالمزاج السياسي الرسمي، دولياً، ولجمه لحتى إنجاز العملية.لم يشاهد العالم مظاهرات في مدن الجنوب تطالب التحالف بالتوقف عن التحليق، وكان لذلك معنى كبير في أوروبا وأميركا.
تلك العملية، إجمالاً، أطلق عليها البروفيسور حبيب سروري اسم "العدوان على العدوان".
أفلتت عدن، والحواضر المحيطة بها من تعز إلى أبين، من قبضة ٢٤ لواءاً وقاعدة عسكرية، وما ساند ذلك من معسكرات أمنية وكتائب للمجاهدين. وعندما انتهى صالح من كتابة بيان تهنئة الشعب اليمني بعيد رمضان كان يعرف أن ثلث قواته العسكرية قد اختفت من الوجود.
محافظات المخزن بقيت مستهدفة على مدار الساعة. لكي تنتصر عدن كان لا بد من إحراق المخازن في عمران وصعدة وصنعاء، مع تحييد ثلث الجيش حول عدن. إذا لم يحدث ذلك فإن عدن كانت ستصبح حياً من أحياء قُريش. وخلال عشرة أعوام سيضيف الإمام الإلهي الأحمق إلى حصارها ٢٤ لواءًا جديداً. وستصير سجناً مستداماً. والعالم لا يأتي لنجدتك دائماً. يحدث ذلك نادراً، كما صار في كوسوفو، وفي عدن.
عدن المنتصرة الآن تقول بوضوح إن صنعاء لم تعد قادرة على تسيير قوافل القتال. إن صعدة لم يعد لديها من السلاح ما تمد به العصابات. وأن عمران صارت تستقبل من الجرحى والجنازات أكثر من قدرتها على تزويد قوافل عبد الملك بالمقاتلين الجدد. عند هذه الصورة تبدو المعركة وقد بانت خاتمتها في كل اليمن.
ثمة شهادة حاسمة في هذا الشأن قدمها الكاتب الشاب هاني الجنيد بوصفه شاهد عيان. حي كبير في صنعاء يحتج على قيادة الميليشيا التي نجحت في إخفاء "قاطرة عسكرية" بالقرب من الحي. رفضت الميليشيا إخراج القاطرة بعيداً عن منازل السكان. وبعد ساعات قليلة كانت مقاتلات التحالف قد استهدفتها وجعلتها أثراً بعد عين. هذه الحادثة الصغيرة تقول إن الميليشيا ليست فقط غير قادرة على تسيير عربات السلاح خارج العاصمة وحسب، بل داخل العاصمة أيضاً. وإنه لم يعد لآلاتها من مكان آمن.
حدثت المواجهة على هذه الطريقة: جيوش حديثة مزودة بالمقاتلات المتطورة والبوارج البحرية الحديثة في مواجهة واحدٍ من جيوش القرن الثامن عشر "حشود على الأرض تجر عربات". دعا الحوثي جيشه إلى الصمود في وجه جيش يبعد عنه مسافة ثلاثة قرون. أما هو فذهب بعيداً في الجبال "يدعو للمجاهدين آناء الليل وأطراف النهار" كما قال في خطابه الرمضاني. "إنه ليس رجلاً" قال أحد رجاله الهاربين. "أتبرع بنصيبي من الجنة له، هيا ليخرج من مخبئه" قال رجل آخر من رجاله الهاربين.
في باقي المدن والمحافظات ها هو الحوثي وصالح "كلاب متشردة". قليل من الضغط وسينهار البناء الرث في إب والحديدة وذمار وفي العاصمة.
انتصار عدن يقول إن الحوثي وصالح لم يعد لديهما من جيش، ولا آلة ثقيلة بدرجة كافية. هاهم يخوضون حرباً انتقامية في جبل صبر، وسط تعز، لأن السكان أحرقوا "آخر الدبابات الحوثية في الجبل".
بقي عنصر قوة وحيد لدى الحوثيين، وهم معزولون داخلياً وخارجياً بنحو شامل: العصابات. فالذين خسروا الدبابات والمخازن لا يزال لديهم سلاح الكتف. لكنهم لن يكونوا قادرين على مواجهة كل الناس.
لنراجع هذه الصورة:
بينما كانت جحافل الحوثيين/ صالح تنهزم في خور مكسر وصلت عشرات السيارات من أطراف لحج، من الصبيحة، إلى عدن لتخوض قتالاً ضدهم. وحتى السكان الوديعين في خور مكسر نفسه بحثوا عن السلاح وقاتلوا في الدقائق الخمس الأخيرة.
وهذا ما يبدو أنه في طريقه للجريان:
بينما الحوثيون يعيشون أيامهم الأخيرة يخرج الشعب اليمني من القرى والحواضر ليعيش أولى أيامه المجيدة.
انتصار عدن ليس نصراً عسكرياً. إنه يقول كل شيء.
عيد مبارك. كل سنة وأنتم بألف خير.
م. غ.