حتى الأمس القريب لم تتضح الرؤيا في تصور الغموض التي تقوده المقاومة في تعز.. بطبيعة الوضع المقلق التي تعيشه البلاد. والجوهر المعني في تحديد اهداف المقاومة. في ظل تشكيك ببعض مجريات الأحداث ، وحسن النوايا ، وكر وفر في المعارك الدامية.. وسط تضارب للأنباء الواردة في الجانب الاعلامي المتنوع ما بين قنوات عديدة ، ومواقع مكتظة بالتعظيم والتقليل حتى فقدت هيبتها وتوازنها ومصداقيتها المجردة من الصدق أساساً .
كذلك أنا ومن خلال تلك الأحداث.. كنت في بعض المواقف مشككاً في نية المقاومة. وهدفها الغير واضح من تجريع تعز ويلات الحرب والصراع .. حتى أتضحت بعد ذلك الفكرة العامة وعمقها ، وصحة دقتها.. مع اني كنت قد لمحتُ بعض فوارقها.. من خلال قراءة متنوعة. وسط الجو الكئيب الذي اعيشه ، والمجرد من الاخبار المتزامنة وشبكة الانترنت والاتصالات وجلب المعلومات الكافية .
لم يكن ليدرك الحوثي مسنوداً بقوات صالح على الإطلاق بإمكانية وجود مقاومة صارمة بتعز لكسر حاجز التخاذل والتضاعف. وكسر شوكة وقوام الحوثي الذي عرج من كهف "مرّان" غير مسالم. وهدفه الاساسي تطبيع لغة العنف. وتدمير المدينة وإخضاعها ، وتذوق اهلها ويلات الحرب والاقتتال.. كما انه لم يتصور ان يكون هناك زخم شعبي عارم. ومقاومة في مدينة تتمتع بمناخ السلم والثقافة .
لقد كانوا غير متيقنين بأن تعز ستسلك طريق المقاومة ،، وسترتدي ثياب التحدي والصمود في احلك الظروف ،، بأقل الامكانيات القتالية والعتاد العسكري .
كانت تخيم في ساحة التفكير بأن امر تعز سيحسم خلال دقائق معدودة .. دون تضحيات وخسائر بشرية ومادية وعسكرية .. كما كان يحوم ذلك عبر لغات مسبقة يتحدث بها الجناح السياسي والاعلامي للحوثي وصالح. دون معرفتهم بما تحمله تعز، وما تحفظ بحوزتها من شجاعة وصمود لا يوصفان .
لقد كانت المفاجأة التي حملتها المقاومة.. في قلب الطاولة وتغيير الموازين في تصديها لمليشيا الحوثي .. اللذين عرجوا من محافظات مرتفعة جغرافياً .. لتركيع أبناءها . وان كانت جماعة الحوثي تسيطر على المداخل الرئيسية للمدينة في ظل اسناد قوات صالح.. والتمركز على مرتفعات شبه هامة. مع فقدها لهم في الايام الاخيرة .. إلا ان المقاومة وحاضنه الأساسي "المجلس العسكري" يقومان بعمل جبار.. ويكبدان مليشيا الحوثي خسائر لم يكن ليتوقعها او ليتوقع حدوثها ولو لبضعة أيام .
للمعلومة.. منذ دخول تعز جبهة القتال وفتح نوافذ الصراع.. لم تتقدم مليشيا الحوثي وقوات صالح خطوة واحدة باتجاه قلب المدينة وبعض أحياءها.. حتى ظلوا في مواقعهم على مداخل المدينة وفقدها لهم مع مرور الوقت.. منذ بداية المواجهات .
على الرغم من عدم نية المقاومة في الانتصار في الوقت الحالي.. لهدف ذا طابع سياسي وعسكري واستراتيجي سيلوح قريبا في الأفق.. إلا انها نجحت وبشكل كبير في هدفها الرئيسي.. باستنزاف قوة الحوثي وصالح . وانهاكها ،، وإرهاق رجالها وتكبدهم خسائر بشرية ومادية وعسكرية .. عبر اشتباكات . ومعارك كر وفر . وفق خطوات صائبة وموضوعية . وان كان ذلك الأمر قد خلّف دمار وخراب شبه كامل في المدينة.. وتم نزوح هائل للسكان الى القرى المجاورة. ومسقط رأس المدنيين .. إلا ان ذلك ليس بقليل امام ما كان ستستخدمه مليشيا الحوثي في أهل المدينة .. كما كانت عمران وصنعاء وغيرهما من المدن التي تم السيطرة عليها بأقل وقت وأقل تكلفة.. بطبيعة المنطقة الجغرافية ، والظاهرة المذهبية الحاضنة لهم.. والقبول المتجانس بين بعظهم البعض بمختلف الاطراف مهما اختلفت المصالح السياسية .
لقد قدمت تعز أروع البطولات ،، وضربت أروع الامثلة ، وجسدت روح الدولة .. والحفاظ على شرف الوطن من استباح مليشيا الحوثي وصالح حرم السيادة ، وكرامة الشعب.. وذلك عندما رُفعتّ راية المقاومة صوب الصمود والتحدي بإمكانية ضئيلة لا تتجاوز ال20% من الامكانية التي يحتضنها ويستخدمها الحوثي وصالح في حربهم الاستنزافية من تعز والوطن بشكل عام .
كذلك قائد المقاومة الشيخ حمود المخلافي .. الذي لا يهمه أي منصب او مكسب او مصلحة شخصية.. بقدر اهميته في الحفاظ على شرف المدينة والسيادة الوطنية وتسجيل موقف بطولي مُشرف في سجل التاريخ الحاضر والقادم الجميل .
ليس بالرجل الذي يسعى نحو مصالح ومكاسب شخصية ان يقدم اكبر تضحيات.. ويفقد أبنه وأخاه وخاله وبعض أهله على جدران المقاومة .. ويتقدم صفوف المقاتلين. إلا لأجل ان يصنع موقفاً مشرفاً ،، وتصرخ جدران المدينة ، ويسجد تراب الوطن عن مواقفه .. وتتحدث صفحات التاريخ لأجل نضاله. في وقت فرّ الجميع ممن أكلوا تعز لحماً ،، وتركوها عظماً .
تعز.. التي جسدت روح الوطن ،، وعانقت أعماق الدولة الحقيقية .
تعز.. التي نالت شرف المقاومة ،، ونصبتّ تذكار الصمود ،، للحفاظ على المدينة .. والسيادة الوطنية العليا .
تعز.. التي كسرت قيود الغاصبين ،، وهزّت عروش الظالمين ،، حتى أدركوا تماماً ما هي تعز ؟ وماذا تعني تعز بالنسبة لأبنائها ..
تعز.. التي رفعت راية المقاومة ، واحتضنت رجال المدينة ،، ووقفت شامخة كالجبال في اعالي الصمود ، وكبّدت الحوثي خسائر فادحة .
تعز.. التي مثّلت امام الجميع مكانتها الوطنية ،، وموقفها البطولي الصارم والشجاع ، في الوقوف حجر عثرة امام طريق العابثين بالوطن ، وإحراق اوراق تواجدهم . وتفتيت مشروعهم الخبيث .
تعز.. التي تتمتع بمناخ السلم والثقافة ،، والفكر والمعرفة.. وكذلك القوة والنضال والشجاعة .. متى صحّ عزمها . وتوحدت الأيادي ، وتعانقت الأرواح .
تعز.. التي أقهرت الحوثي.. وخلخلت قواه ، في الروح القتالية المتصلبة التي تتشبث بجسد المقاومة ورجالها .. وتعانق شغفات التحدي والصمود في وجه جماعة الحوثي وقوات صالح .
هكذا هي تعز .. وهكذا ستضل تعز .. تضرب أروع الأمثلة .. ومستعدة لتقديم التضحيات في سبيل نضالها ضد دعاة الحرب والقتل والدمار.. وتبعث رسائل وطنية مفادها ان أبناء تعز متواجدين للحفاظ على المدينة والوطن كل الوطن بلا استثناء !!