تناقل الجميع خبر استشهاده بمن فيهم انا.. وحدثت له جنازة كبيرة.. إلا اني لم اتأثر بذلك بقدر تأثري الأن.. عندما حدقت عيناي ببعض صوره الحيّة .
يا لها من فاجعة مُرة.. افزعتني وادمعتني.. حتى تناثر الوجع حول روحي ،، وانغرس سهم القهر في خنادق احزاني ،، وتساقطت الدموع على وجناتي ، وانغمس الألم في قلبي .
عبدالله عبدالقاهري الجابري.. الذي استشهد وهو يدافع عن كرامة تعز والوطن ضد مليشيا الحوثي وصالح .. يوم عيد الفطر المبارك.
عبدالله.. لربما أكون آخر من يكتب عنك ، بعد فترة زمنية من وقت استشهادك ،، ولربما تتساءل عن تأخري لذلك.. لكني لم اكن لأعلم انك انت من كانوا فعلاً يتناقلون خبر استشهادك وانا احدهم.. وكنت حينها لا اكترث الى التفاصيل .
لن تسامني روحك الجوهرية ، وكذلك قارئ العزيز.. عن عدم تقطير حبر من المي ، على أوراق نضالك وصمودك الذي في سبيله قدمت روحك لأجل تعز والوطن بأكمله .
عرفته لأول مرة في مبنى محافظة تعز.. حيث كان حينها يوجد اجتماع للمحافظ بجميع مسئولي المجلس المحلي والامن ومدراء العموم.. وكان الشهيد حراس شخصي لاحد قادة امن تعز.. وكنت حينها اعمل على اخذ معلومات عن ذلك بحكم عملي الصحفي .
أي قلب ذاك الذي كان يسكن الشهيد.. وأي روح تلك التي كانت ترتديه.. بمجرد معرفتي به.. حتى اشتدت الأنياب على العلاقة القوية التي توطدت خلال فترة زمنية قصيرة. بحكم القرابة ، وبحكم المنطقة الجغرافية والقرية الحاضنة لنا .
تلاسنت الصداقة ، وتعمقت جذوره .. حتى وصلت الى ادراج التحدث بالشخصيات ، وتبادل الضحكات ، والتعمق بمجريات جميع الاحداث والتفاصيل على مستوى الشخصي والعامي .
اتذكر حينما كان هناك تضارب للاخبار عن دخول الحوثي الى تعز في وقتها الأول. قبل أشهر.. طلب مني الصديق العزيز عبدالله غراب مراسل قناة بي بي سي اخبار تؤكد ذلك.. فلم يكن أمامي إلا عبدالله الجابري .. ليعلمني بالحقيقية. ويوصلني الى مدير امن تعز الذي كان حينها/ مطهر الشعبي. وبالفعل وصلت إليه وإلى ما أريده. وتأكدت من صحة المعلومة .
رحلت ... لكن روحك لا تزال حياً فينا ،، وذكراك لا زال يتشبث بنا ،، وصوتك لا زال يهتف بنا .
رحلت... لكن طيفك لا زال يلمح شوقنا إليك ، وهمساتك لا تزال تطرق مسامعنا ،، وبسماتك لا تزال تداعب وجناتنا .
رحلت أيها الرفيق.. دون ان تودع احبابك .. حتى انا لم اكن اعلم انك انت فعلاً من استشهدت .. وانت انت من كان الجميع يهتف بعرسك . وعناقك لشغفات السماء ، واعتناقك للشهادة .
أحقاً رحلت ... وجعلتنا نصارع الألم ، ونكتوي بنار القهر ، ونتجرع كأس الأنين .
أقدمت على معانقة القدر ، وملامسة جنان القمر .. من أجل ان تذوقنا نكهة الحياة .
لا جدال في ان قدمت روحك .. لأجل تعز ولأجل الوطن.. ضد جحافل التمرد وخفافيش الظلام .
لا عزاء لدي.. إلا انني سأتجرع من هذه اللحظة.. وجع رحيلك.. وسأعزف على وتر الحياة لحن نضالك .
سأتذوق من هذه اللحظة التي اسطر على الورق بارقة ألماً ،، واقطر عليها حبراً من الدمع التي قد مزقت قلبي ، وأحرقني الم رحيلك .
سأخلع رداء العزاء ،، وسأرتدي ثياب الشجاعة ، لكي أقاوم وجع فراقك..
أيها الشهيد الحي.. سيبقى ذكراك خالداً فينا .. وستبقى انت هنا في روحي ساكن ،، وإنا على دروب نضالك سائرون نحو اجتثاث جحافل التمرد ، ورسم خارطة الدولة الجديدة التي من اجلها نشدت روحك.. وسقت الأرض من دمائك ، وروت الحياة عطر النصر من فوح استشهادك الذي سيكون مفتاح للنجاة من المتمردين.. والخروج بالوطن الى بر الأمان .!!
راكان عبدالباسط الجُــبَيحي
كاتب صحفي- يمني
