كنّا أمّة منكوبة، وتدفّق علينا الليل ودخلنا في طور من الإحباط واليأس. وانقسم المجتمع طوليّاً وعرضيّاً، وظهرت فئة جديدة فشلت في الاندماج، تعتقد أنها خلقت لتسود، وأن المواطنة الصالحة تعني التسليم بتلك العقيدة. نزلت الستارة السوداء الأعظم على اليمنيين حتى صار غير ممكن بالمرّة النظر إلى الغد. وفي الصبح يفتح ملايين أعينهم ولا يعلمون، بالمطلق، ما الذي يمكن أن يحدث خلال شهر أو عام أو بعد غد. صرنا أمّة ضالة مثل خراف بني إسرائيل، واختطفت العصافات والميليشيّات المجتمع برمّته فارضة عليه رؤيتها في الحياة والسياسة والعقيدة، وفتحت مختبرات تعذيب لكل من يشكك في تلك الرؤية، أو يقول إن الحياة لا بد وأن يصنعها كل الناس بلا هيمنة. وأن الهيمنة والإذلال يعودان إلى القرون السحيقة.
أفضت تلك الصورة الفاشية الشمولية، كما حدث في كل مكان وفي كل التاريخ، إلى حروب مع الجيران. تاريخ الفاشيات والعصابات مليء بتلك القصص، ويعجّ بقصص أسطورية عن وقوف السكّان المحليين، الواقعين رهائن، مع القوى الخارجية التي اشتبكت مع الفاشيات "تاريخ ألمانيا، ومثقفو ألمانيا مثالاً".
حدثت الحرب التي ستضع نهاية لزمن الفاشية. فالفاشيات التي تنشأ تلك الطريقة، كما استعرضنا، لا تسقط سوى بحروب ضارية. وهي تخوض تلك الحروب لأنها لا تستطيع الانتقال من طور "تفجير الجسور" إلى طور وزارات الأشغال وتجد في السلم كلفة أعلى من الحرب. وفي المسألة الحوثية ثمة عاملان يجعلان من اضمحلال تلك الجماعة أمراً متوقعاً: العقيدة الدينية لقياداتها، والعامل الخارجي الذي يريد منها أن تعمل بندقية إيجار على الدوام.
الحرب التي تجري الآن ضد الميليشيا والعصابات بتآلف دولي واسع اشتركت فيه اليمن أيضاً، كدولة وشعب، ليست سوى محاولة لإجلاء أمّة كبيرة مختطفة ونقلها إلى زمن آمن.
وتقول كل المقدمات والوقائع أن جماعة الحوثي، والعصابات، وضعت اليمن أمام واقع موحش وتركت الحرب أمامه خياراً وحيداً.
وكذلك فعلت مع الآخرين في الخارج.
ومنذ 2004 والحوثيون يخوضون حروباً، ولم تتوقف حروبهم مرّة واحدة. وليس لصراخهم من الحرب الآن أي معنى، فهم لم يتوقفوا نهاراً واحداً عن الحرب منذ 11 عاماً. وقبل ثلاثة أشهر أمر الحوثي جماعته باقتحام البيضاء قائلاً بتصميم كاليغولي "وليغضب من يغضب، وليصرخ من يصرخ".
وليست الحرب الراهنة حرباً إضافية ولا هي جديدة. الجديد فيها هو أن الحوثي انهزم أخيراً، وهذا ما جعلها بالنسبة له عدواناً.
أما الخسارات الاقتصادية والبنية التحتية فهذه أسوأ الحجج وأعظمها سطحية. فتصنيف اليمن الإئتماني ك "دولة حروب أهلية" هو أسوأ ما أصاب اليمن اقتصادياً خلال العشر سنوات الأخيرة. ومنذ سقوط صنعاء وحتى مارس سُجّل في اليمن مشروع استثماري وحيد، كما في تقرير نشره العربي الجديد! بينما خسر بسبب حروب الحوثي الأخيرة حوالي مليون شخصاً وظائفهم.
قدم الحوثي مشروعه:
حرباً طويلة الأمد ضد كل الناس.
لكن آخرين قالوا له:
لنجعلها حرباً حاسمة وقصيرة الأمد، وضد خصوم محدّدين على طريقة حكماء الزمن القديم:
"وجع ساعة ولا كل ساعة".