تهديدات صالح والحوثيين وما يحاولون إثباته في تعز وبعض المناطق من بقية مقدرة على القتل والتدمير ليس أكثر من محاولة لتعزيز بعض الأطراف الدولية الكبرى في ضغوطاتها على السعودية ودول التحالف من أجلهما.
وعلى أن دافع هذه الأطراف في تلك الضغوطات هو سعيها وفق أجنداتها الخاصة لغرز شوكة حوثية إيرانية في خاصرة المملكة والخليج، إلا أنها تستند في الظاهر إلى ما تثيره من المخاوف على ما تبقى من المدن اليمنية جراء الحرب، إذ تقول هذه الأطراف للمملكة العربية السعودية إنها ترى صنعاء تحمل فوق رأسها خبزا تأكل الطير منه!!
ورغم ما تفعله في هذا الاتجاه إلا أن كل المؤشرات الميدانية والتصريحات السياسية تقول –بالمقابل- إن دول الخليج والمملكة ماضون في سبيل إعادة الشرعية اليمنية وتمكين سلطاتها من كل الخارطة الجغرافية، مؤكدة –وهي تستند إلى توافقها مع الشعب اليمني المقاوم والمناهض من الداخل لانقلاب صالح الحوثي- أنها ترى صنعاء تعصر خمرا من كروم النصر، واثقة في ذلك من خسارة رهانات صالح والحوثي، إذ نهاية المطاف أنه لا يوجد طرف دولي مستعد لأن يخسر أي قدر من مصالحه مع الخليج والمملكة من أجل عصابة لم يعد بمقدورها أن تفعل شيئا، وعما قريب سيتفاجأ صالح والحوثي أن الأرقام التي اعتادوا على طلبها بعد ضغط الصفر الدولي لم تعد تجيب!!
هل يظن صالح والحوثي أن كل تلك القوة التي وصلت إلى مأرب هدفها المساعدة بحسم الحرب في جبهة صرواح أو الجدعان!؟ قطعا يعرفون أن الأمر يتجاوز ذلك، وباتت النهاية عندهم معروفة ومحسومة، ولهذا بدؤوا قبل أشهر بالتأكيد على نصرهم الحتمي مهددين بـ"فتح مكة"، ثم تراجعوا إلى التهديد بنشر الفوضى وإحالة اليمن إلى مستنقع، أي بهزيمتهم التي تقابلها هزيمة الطرف الآخر جراء عدم استقراره، ثم تراجعوا إلى كلام غامض عن "الخيارات الاستراتيجية" التي غدت موضع تندر للرأي العام، ثم تراجعوا اليوم إلى الاعتراف بالنهاية والتسليم بها، ورغم محاولتهم إخفاء هذه القناعة لكنها أبت إلا أن تظهر وتكشف عن نفسها، وعلى لسان علي صالح نفسه، إذ قال قبل يومين في معرض التهديد للسعودية: "جبال اليمن وسهولها ورمالها وكل أراضيها ستثور وتنتفض في الوقت المناسب".
هذه هي النهاية التي تسربت من قرارة أنفسهم رغم محاولتهم إخفاءها: لم يعد في أيديهم جيش ولا لجان شعبية كما كانوا يقولون، ولا صواريخ ولا ترسانة ولا إيران ولا أمريكا ولا روسيا ولا أمم متحدة، بل جبال وسهول ورمال وكلام إنشائي.. لم يعد هناك هجوم مسلح من أجل "تحرير مكة المكرمة" كما كانوا يقولون، ولا دفاع مسلح لردع السعودية كما كانوا يقولون، ولا حتى صمود، بل كل ما تبقى في خيالهم هو "ثورة" بعد أن يكونوا قد فقدوا كل شيء، وربما فقدوا أنفسهم، وسيفعلون ذلك "في الوقت المناسب"، أي الوقت الذي لن يأتي، الوقت الذي يجب أن لا يسألهم عنه أحد لأنهم لا يملكون الإجابة، إذ ليس بمقدورهم أن يحددوا وقت ذلك اللا شيء!!
ما قاله علي صالح هنا، هو ذاته ما سبقه للتعبير عنه ياسر العواضي حين قال: "سنقاتل حتى آخر نَفَس"، ففي حين أراد بظاهر كلامه أن يرسل التهديدات لإخافة الخارج وتشجيع الأنصار في الداخل إلا أنه كشف عن حقيقة ما في داخلهم، وعبر عن قناعاتهم بانهيار أحلام النصر في فتح مكة، ثم أحلام النصر في الدفاع عن صالح والحوثي، واستقر بهم الأمر عند "آخر نفس"!!
لو أعملوا عقولهم دقائق فقط لتمكنوا من اتخاذ قرار أفضل لهم وللبلاد بدلاً من استنزاف وقتهم وطاقاتهم في إثارة الجلبة التي لا طائل منها، وفي محاولات صرف التفكير والأداء نحو الإيقاع بين فصائل الحراك، بين الحراك وهادي، بين الأحزاب والمقاومة، بين الإصلاح والإمارات، بين الإمارات والسعودية.. هذه أهداف خارج إطار الحدث ولا تربطها به علاقة ولن تفضي بهم إلى نتيجة. وحتى لو جاريناكم ونظرنا إلى هذه الأطراف من منظاركم فرأيناهم أغبياء واعتقدنا أنكم ستنجحون بأي مستوى في الإيقاع بينهم، فهذا لن يغير من وضعكم شيئا، ولن يصرف المصير الواقف على أبوابكم!!
مجرد ضجيج تشجعون به أنفسكم في الظلام، وإنما تبددون به الخوف المنتشر داخلكم لا الوحوش المنتشرة حولكم.. هكذا يفعل الأطفال في القرية عندما يخرجون في الليل، وأنتم اليوم مثلهم إلا أن الأطفال البسطاء يدركون أثناء ذلك أنها حيلة نفسية لا أكثر!!
الغبار الذي تثيرونه لا يصلح دليلا على أنكم ما تزالون قادرين على الفعل والحركة، وكنا سنوافقكم على هذا لولا أنكم تثيرون الغبار خارج مضمار السباق!!
لطالما كان أمامكم فرصة لتجنبوا أنفسكم المتاعب، وإذا لم تكن هذه الفرصة قد تلاشت الآن بشكل نهائي فهي على وشك، وها نحن نرى صنعاء تعصر خمرا، وصنعاء عاصمة كل اليمن ورمزه، ونرى مشروعكم يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه.. (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان)!!