عبدالرب السلامي
ضعف الإقبال الشعبي على الانتخابات البرلمانية المصرية مؤشر أن الوعي الجمعي للشعب المصري لا يزال متقدما جدا، وأن هناك إدراك شعبي لديكورية العملية السياسية، وإدراك أن مصر تحكم بإرادة العسكر لا بشرعية الصندوق..
لكن وجود هذا الوعي المجتمعي بطبيعة النظام الاستبدادية لا يعني بالضرورة أن ذلك الوعي بات قابلا للتحول السريع إلى إرادة شعبية ثورية، فالعزوف عن الانتخابات شيء والتحرك لتغيير النظام شيء آخر!
فالعملية التغييرية لاسيما في بلد عاش تجربة ثورية تعرضت للإجهاض العنيف لا يمكن أن تستأنف دون أن تتحرر من حاجز الخوف من المستقبل المجهول، ودون أن تبلغ القناعة الشعبية مستوى عاليا من الثقة بالطليعة الحاملة للواء التغيير..
ولهذا نلاحظ أن سياسات النظام منذ الأيام الأولى للإنقلاب العسكري اتجهت نحو خلق هوة شعورية بين قوى التغيير وقطاعات كبيرة من الشعب المصري، وبالتالي فإن أي تنامي في الوعي لدى الشعب -في ظل هذه الحالة- سيظل وعيا سلبيا مفرغا من الروح الإيجابية الدافعة نحو الثورة!
هذا الأمر يجعل منظومة قوى التغيير التي تمثل العنصر الذاتي في المعادلة الثورية المصرية أمام تحدي كبير في مدى قدرتها على ردم تلك الهوة وصولا إلى توظيف الوعي المجتمعي توظيفا إيجابيا ينتج إرادة شعبية ثورية قادرة على صناعة للتغيير!
في تقديري أن قوى التغيير المصرية لا تزال بحاجة إلى وقت غير قصير للوصول إلى هذه الغاية، فهي في هذه المرحلة بحاجة إلى إعادة التقاط أنفاسها ومراجعة منهجيتها في الحركة وترميم صفوفها والتجديد في أدواتها وأساليبها، بما يمكنها من معالجة التشوهات التي خلفتها حقبتي الصراع قبل وبعد الانقلاب العسكري.. وقد سمعنا وقرأنا أن هناك حراكا داخل صفوف تلك القوى يسير في هذا الاتجاه، فإن كان الأمر كذلك فأتوقع أن لحظة تاريخية حرجة قادمة سيتحول عندها الوعي المجتمعي إلى روح شعبية ثائرة تعيد لمصر آمال ثورة 25 يناير وللأمة العربية ربيعها الجميل.
تلك اللحظة قد لا تكون قريبة بالمقياس البشري البسيط، لكنها قريبة جدا بمقاييس التاريخ وسنن التغيير!