كتب: وديع أمان
جميعنا نعلم بأن النسيج الإجتماعي في عدن عبارة عن خليط متجانس يتألف من عدة أعراق وديانات ومذاهب وطوائف أو هكذا هو حالها منذُ مئات السنين، فهذا النسيج أشبه بأن يكون كعقد لؤلؤي تراصت حباته بكل إنسجام وإعتدال وجمال وألفة ..
لم نألف في عدن على أن ننظر لأحد منا بنظرة إثنية أو طائفية أو بحسب لون بشرته بل كنا ولازلنا وسنبقى ننظر ونتعامل فيما بيننا بنفس الطريقة التي ألفناها وألفتها عدن دون أي تفريق أو إنتقاص
لقد عشنا جميعاً في عدن (نحن أهل عدن) كأسرة واحدة تعيش في بيت واحد وتحت سقف واحد، وقد تقاسمنا الفرح والحزن معاً وعانينا في الحروب والكوارث معاً ووقفنا جنباً إلى جنب عند آبار مياه الشرب أو عند (البوزة) في أوقات الحروب، وتذوقنا المرارة والألم والتهميش والإقصاء المتعمد معاً على إعتبار بأننا مجرد هنود وصومال (ملقطين) وتمت مصادرة أملاكنا معاً من محلات وشركات ومؤسسات وعمائر وأراضي وحتى بيوتهم الخاصة صودرت أو أغتصبت أو تم صرفها لآخرين، وتمت تصفية بعض النخب من أهل عدن أما بالإغتيال أو بالإختطاف أو بطرق غامضة داخل المعتقلات والبعض الآخر ممن ساعدهم الحظ إضطروا إلى مغادرة عدن والجنوب العربي آنذاك بشكل نهائي تاركين خلفهم مدينتهم الجميلة التي لم يتبقى لهم فيها سوى ما أختزنته عقولهم من ذكريات !
كل تلك الأحداث المؤلمة التي إستهدفت المجتمع العدني المسالم لم تعتمد على تصنيف إثني أو طائفي أو مناطقي أو.أو....الخ ، بل إنها إستهدفت المجتمع العدني بأكمله، فتضرر منها المسلم واليهودي والنصراني والعربي والفارسي والجبلي والهندي والصومالي والهندوكي والبهري والخوجه وجميعهم تقاسموا الألم معاً ..
واليوم وبعد أن حملت الحرب الأخيرة التي كانت عدن (كالعادة) مسرحاً لأهم فصولها ونالت نصيب الأسد من التدمير للحجر والبشر حملت هذه الحرب عدة نكهات من بينها نكهة الطائفية (سنية/شيعية) ومالا يعرفه البعض بأن هناك أقلية شيعية (إثنى عشرية) نسميهم في عدن (خوجه) ولم نكن نسمع كثيراً أو نتداول كلمة (شيعي) ولا أعرف سبب ذلك، وهؤلاء الخوجه يعيشون في عدن منذ أكثر من 100 عام ويعتبرون جزء من النسيج الإجتماعي العدني وتربطهم بأهل عدن علاقات ود قائمة على الإحترام المتبادل، كما أن هذه العلاقة تطورت مؤخراً وسجلت حالة زواج بين شاب سني وشابة من طائفة الخوجه بموافقة أهلها، ولم يسجل التاريخ أي حوادث أو صدامات أو أعمال عنف بيننا وبين (الخوجه) أو مع باقي أهل عدن، كما لم يشكو أحداً منهم بأن تعرض لمضايقات أو إعتداء بسبب إنتمائه المذهبي أو الطائفي ونحن أيضاً لم نشتكي منهم لأننا لم نرى منهم سوى كل الود والإحترام فقد كنا نحن وهم سوياً زملاء في المدارس والمعاهد والجامعات وفي مرافق العمل وحتى في الحروب السابقة تقاسمنا الخبز والماء معهم بكل حب وإخاء ..
وعندما وصلت الحرب إلى عدن أضطر معظم هؤلاء (الخوجه) للنزوح إلى حضرموت أو إلى خارج حدود اليمن بشكل عام خوفاً من إندلاع فتنة طائفية، فتعرضت بيوتهم للإقتحام ونهبت محتوياتها وسرقت سياراتهم نتيجة الإنفلات الأمني الذي تمر به مدينة الأمن والأمان (عدن) منذُ بداية الحرب في مارس الماضي، واليوم وبعد مضي ثلاثة أشهر على تحرير عدن من الميليشيات الغازية فأن هؤلاء النازحون (الخوجه) يناضلون اليوم من أجل عودتهم إلى بيوتهم وإلى مسقط رأسهم حالهم كغيرهم من أهل عدن الذين نزحوا منها في وقت الحرب ثم عادوا إليها بعد تحريرها وطرد الغزاة منها ..
فهل ستفقد عدن إحدى سماتها السمحة التي يعرفها التاريخ بها ؟