قرقاش والإخوان الجدد !

2015/11/24 الساعة 06:43 مساءً
· ســـام الغـُــباري - في سلسلة تغريدات مثيرة للجدل قال وزير الدولة الإماراتي أنور قرقاش عن حزب التجمع اليمني للإصلاح ما يثير حفيظة الحزب ، ويجرح نضالهم السلمي الجمهوري للحفاظ على ما أمكن من الوطن الذي اغتالته يد الجائحة الهاشمية الحوثية ، كإعادة لا تتعلم من التاريخ البعيد . ومن قبيل الإنصاف لا التعاطف ، رفعت صوتي في ظل غياب وشلل نصفي أقعد رجال الحزب عن الرد والتعقيب ، ولأني لست منهم ولا أنتمي لحزبهم ، أقول بحرية ما قد يفيد لفهم طبيعة التعقيد اليمني لدى الوزير الأنيق قرقاش . - ينبغي الفصل أولاً بين إخوان مصر ، وإصلاحيو اليمن ، بين ما تعرض له السابقون سجناً ومطاردة وتنكيلاً دفعهم للثأر والتعامل بإندفاع أحمق أوصد على أنفسهم باب المستقبل في مصر وما حولها لزمن طويل ، وتجربة إصلاحيو اليمن الذين قادوا ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م على نظام الإمامة السلالي في الشمال بمشاركة العديد من التيارات القومية واليسارية التي شاركت كلها في صياغة جبهة وطنية واحدة انتفضت من عمق الرماد اليمني لمواجهة أغرب حكم سلالي في تاريخ النظم السياسية وأكثرها انتهازية ، كان محمد محمود الزبيري صديقاً شخصياً لجمال عبدالناصر ، وأحد الأطر الفكرية الرئيسية التي صاغت مفاهيم الشعب اليمني نحو الجمهورية ، والدستور والقانون ، وأدت الثورة الدستورية في العام 1948م لتكوين حياة وحاجات النخب اليمنية في مسار متقدم حقق أهداف الوطنيين نحو إصلاح سياسي عميق بقيام الجمهورية . - لا يجب إغفال تأثر القيادات القديمة لحزب التجمع اليمني للإصلاح بالتيار الإخواني في مصر وبرسائل حسن البنا وتشريعات سيد قطب ، إلا أن كل ما يأتي إلى اليمن لا يصل كما أريد له أن يصل ، فليس كل القوميين كجمال ، ولا البعثيين كميشيل عفلق ، ولا الإخوانيين كمهدي عاكف ومحمد مرسي ، هناك فلتر يمني خاص ، طبيعة أخرى من الوئام والنضال السياسي والألفة الإجتماعية التي تحكم اليمنيين دوناً عن غيرهم ، ليس كل شيء حاداً ، وليس ثمّ عدو حقيقي لليمنيين على مدى التاريخ سوى الهاشمية الجاهلية التي تمتص كل النضالات وتقضي عليها دفعة واحدة رغم المكاسب المتقدمة التي تحققها النخب الوطنية اليمنية في فترات متقطعة من الزمن ، ولنا أن نعير انتباهنا لما تحقق في عهود التواجد العثماني في اليمن من كليات وجامعات ومستشفيات ومقرات تعليم متنوعة ومرشدات سياحية وحمامات بخارية ، وقد بلغت ثقافة التطوير العثماني لليمنيين إلى التنوع الغني في قوائم الأكل الفريد ، والرداء العربي المتمنطق بالسلاح الأبيض . كل ذلك التقدم المفرط في التطور قابله هجوم هاشمي غادر اسقط الخلافة بتواطئ مع بريطانيا التي كانت تحتل جنوب اليمن ، وأحال كل ما بُـني في عهود العثمانيين إلى اطلال ومخازن للقمح أو سجون إدارية يقضي فيها الإماميون بوحشية ما يريدون من الأحكام العاهرة الظالمة . - الإخوان ليسوا سيئين إلى الدرجة التي يُـلغَى فيها نضالهم القديم وتطورهم اللافت في أعوام الألفية الثانية ، لقد تخلصوا من إرث العقد الدينية ومؤسستها العتيقة ، وحاول "الإخوان الجدد" داخل الحزب تطوير آليتهم ومشاركتهم للقوى السياسية كاملة ريادة المشروع الوحدوي والدفاع عنه ، والإحتكام لصناديق الديمقراطية التي افرزت طبيعة سياسية حقيقية غُـدرت في النهاية من الهاشميين بتواطئ معتاد من التاريخ مع قوى الإقطاع والنفوذ لوأد المشاريع الوطنية ، ورغم انخداع جميع القوى السياسية بما فيها حزب التجمع اليمني للإصلاح بتقدم الحوثيين العسكري ومحاولتهم تمرير مشروع سياسي عبر فوهات المدافع التي كانت تضرب دماج وأرحب والجوف وتنال من معسكرات الجيش بدعوى انتماء بعض قادتها إلى حزب الإصلاح . إلا أن ما أدركناه في النهاية كان متأخراً وأن الجمهورية والدولة كانت تقف على عكاز رجل قعيد يوالي الإخوان المسلمين بقلبه وإسمه حميد القشيبي ، غير أن جنوده وقواته لم يكونوا إلا جنوداً مخلصين للجمهورية والدولة والدستور ، ولم يفهم أحد ما حدث .. أخذتنا طبيعة الثورة المصرية على نظام الإخوان لتعميم لحية "مرسي" على ليبرالية علي عشال وعبدالرزاق الهجري وكثير من نجوم الإصلاح الذين اتحدوا اليوم مع الهم الوطني في قتال الحوثيين المتمردين دون أن يطلب منهم أحد ذلك إلا أنهم استجابوا لرجولة الموقف وتاريخية الهدف. - وإذا جئنا للحديث عن أسباب تقاعس هنا أو تراجع هناك ، فتلك من طبائع النفس البشرية ولا يجوز تعميمها على أعضاء الحزب الذين خُـدعوا وخُـدعنا بتصديق ماكينة النظام الدعائية إمتلاكهم ميليشيا مسلحة ، وذلك ما لم يكن كما أشيع بالضبط ، فطبيعة التطورات السياسية في السابق اليمني أوجبت أن يتحرك فتية الإخوان القادمين من عروق الريف الجميل لمواجهة الجبهة المسلحة في ثمانينيات القرن الماضي ، وكان محمد قحطان مثلاً وهو الآن رئيس الدائرة السياسية للحزب فتىً متحمس يقود مجاميعاً مسلحة لمواجهة خطر الجبهة التي طرقت أبواب قريته ، فهزمهم واستسلم في النهاية لوجود الدولة وسلم كل ما لديه وأنحاز للقلم وبنطلون الجينز ، وظل على نضاله السلمي ردحاً طويلاً إلى أن اختطفه الحوثيون مع أول يوم لعاصفة الحزم الخليجية قبل تسعة أشهر تقريباً . كذلك كان عبدالرحمن العماد الذي صار عضواً بمجلس النواب وفجّر الحوثيون منزله بداخل قريته بمحافظة إب "وسط اليمن" دون أن يقدر على الدفاع عن داره الأثري القديم !. - كل ما كان يواجه الحوثيين ليس جيشاً من الإخوان ، بل تجمعات عقائدية لها ميلها القبلي في إطار الشيخ المنتمي إليها ، وكان وحده "علي عبدالله صالح" من يحتفظ بكتائب خطيرة ومدربة موالية له ، وبمجرد أن هُـزم الجنرال "علي محسن" في معركة الدقائق الخمس ، كان على الجيش الموالي لصالح أن يحسم الأمر ولا يستسلم لهاشمية الحوثيين السلالية ، إلا أنه فعل ما لا يفعله أي جيش في العالم ، وانهار أمام مجموعات عائدة لتوها من الماضي التعيس !. - الآن .. كل الأحزاب تنضوي تقريباً في إطار مجموعة الثوريين الحوثيين إلا المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح ، وسبب كل هذا الذي يحدث أن "أبو لهب" نزغ بين أُخوّة الحزبين الرائدين فألتهم القادمون من صعدة كل طيب في صنعاء ، واجتاحوها كما قال لهم إمامهم ، وتكرر دمها نازفاً من على سماسرها وشوارعها ودورها وعبقها كما حدث لها في سنة 1948م . - اليوم .. يضحي الإصلاحيون بأولادهم وخيرة شبابهم ، دفاعاً عن الجمهورية ، نصفهم معتقل وشريد ، وكثير مراقبون وجائعون في منازلهم ، يتحدون سلالية البغضاء ، ويقفزون إلى عيونهم متحدين ومقاتلين ، علينا ألا نكسر هذه الروح الوثابة وألا نشكك في صدق وتضحية من يقدم إبنه ليموت في معركة الفداء والشهامة ، ومن تخلف منهم ونكث فإنما ينكث على نفسه ، ولن يضر القضية الوطنية شيئاً .. هذا ما أردت قوله وهو قليل على أمل أن يقرأه الوزير المهذب أنور قرقاش ليدرك أن أي اختلال في توازن القوى الوطنية اليمنية المقاتلة في الميدان لن يخدم أحداً سوى الحوثيين ومن والاهم .. وهذا ما لا يريده هو ولا نحن ولا من يقال أنهم إخوان اليمن . .. وإلى لقاء يتجدد #سام_الغباري