؟ صلاح السقلدي
القضية الجنوبية أشبه بعصفور في اليد, أن شددت عليه القبضة مات, وأن أرخيتها زيادة طار, وبين حالة الشدة الغليظة, والارتخاء المفرط توجد منطقة وسطى مثالية. لا زلتُ مقتنعا بأن قبول قيادات بارزة بالثورة الجنوبية وبالذات ممن تبنوا بقوة شعار استعادة الدولة الجنوبية ,بمناصب سياسية رفيعة بالسلطة اليمنية الحاكمة تحت علم الجمهورية اليمنية في ظل غياب الحل السياسي العادل للقضية الجنوبية سيكون مجلبة للضرر بحاضر القضية وبوحدة صفها وبمستقبلها السياسي أكثر من نفعها. أقول إنني لا زلتُ عند قناعتي هذه الى ان يثبت العكس. ولكن في ذات الوقت وبعد أن فرضت مؤخرا تعيينات بمناصب محافظ عدن السيد/ عيدروس الزُبيدي, ومدير أمن ذات المحافظة العميد/ شلال شائع وغيرها من المناصب- فقد أصبح مستقبل الجنوب على المحك, ( نكون أو لا نكون ), وأمرٌ لا مناص من التعاطي معه, والكل أصبح على فوهة مدفع التحدي ,والاعتراض على التعيينات بات غير ذي جدوى وضرب من ضروب التمزق ومضيعة للوقت ,بعد ان وضعوا أصابعهم على أذانهم ,لعل قبولهم هذا منطلقاً من فلسفة : ما لا يُدرَك كله لا يُترَك كله, و إصلاح الموجود خير من انتظار المفقود. فأنني مع كل ذلك أدعو الجميع الى شـدّ أزر هذه القيادات والوقوف خلفها, أو عدم تقويض عملها على أقل تقدير حتى يتبين لنا خيط السياسة الأسود من خيطها الابيض- ان كان للسياسة خيط ابيض أصلاً- ونستطيع ان نتلمس طريق المستقبل من خلال هذا الوضع الذي أمامنا. السلطة اليمنية بوجهها الشرعي المعترف به دوليا ستتعامل مع هذه التعيينات من منطق : (ان فشلت هذه القيادات بمهامها فهو فشلا للجنوب ومشروعه الانفصالي , وأن نجحت فهو نجاحا للشرعية الوحدوية), بعد ان فُــرضت عليها -أي على السلطة اليمنية -(شروط) هذه التعيينات فرضا- ولم تكن تعيينات بطريقة المخادعة المعهودة كما درجت عادتها ,كما سنشير لاحقا-. وعلى ما تقدم يجب على الجنوبيين ان يعكسوا هذه المعادلة رأسا على عقب, أي ان يجعلوا من النجاح نجاحا للقضية الجنوبية, ومن الفشل -في حال حدوثه- فشلا لا يؤثر بعزيمتهم, بل هو فشلا لقوى دولة الاحتلال اليمني التي لا يزال الجنوب لم يتحرر من ربقتها بصورة كاملة. هذه حقيقة. صحيح كل الوقائع تشير الى ان الطريق مليء بالمطبات والالغام ومغطى بأنواع الاشواك والمسامير. وكل المعالم والاشارات على هذا الطريق غير واضحة بل ومتعاكسة في اكثر من نقطة تقاطع وتفرع. وهذا يعني ان ليس بوسع هؤلاء المعينين مؤخرا النجاح بمهامهم دون تكاتف الجميع تحت راية العلم الجنوبي وبيرق الثورة الجنوبية ولواء المصلحة الجنوبية لا غير, حتى وان فرضت علينا الواقع الانحناء مؤقتا ((للعاصفة)) . نعم كل المؤشرات تشير الى ان مطبات الطريق نحو المستقبل ستكون خطيرة وصادمة أمام عجلات القافلة الجنوبية, باستثناء مؤشر ايجابي واحد يبعث بالنفوس العزيمة وبث في الروح الحماسة, وهو وقوف دولة الامارات خلف هذه التعيينات كضامن موثوق به وسط غابة من التحديات الامنية والسياسية. بعد ساعات من صدور قرار التعيينات سألتُ أحد القيادات التي شملها هذا القرار: كيف لكم ان تقبلوا بمثل هكذا مناصب ضمن الدولة اليمنية, وأنتم الذين ظللتم سنوات تنشدون هدف التحرير والاستقلال الكامل الغير منقوص وتصفون السلطة اليمنية بدولة احتلال, ومنصات المهرجانات تشهد عليكم ,هل أصبحت المسألة هرولة وراء المناصب والمكاسب, وضحك على الدقون وبيع وشراء بدماء الشهداء وأوجاع الجرحى ؟, فكان رده بما معناه : ( أن هذه التعيينات لم تصدر من قبل السلطة اليمنية ولا هي تريدها بهذه الطريقة الجادة حتى وأن كانت ممهورة بقرارات الجمهورية اليمنية بل أنها تعيينات فرضتها رغبة جنوبية ونصر جنوبي على الارض, وبدعم قوي من دول التحالف كطرف ضاغط وضامن لنجاحنا). انتهى كلامه. ربطتُ بين كلام هذا القيادي وبين تعيين سفير يمني بدولة الامارات بذات القرار الجمهوري الذي صدر فيه تعيين هذه القيادات الجنوبي وهو المهندس فهد سعيد المنهالي بديلا عن نجل الرئيس اليمني السابق على عبدالله صالح , وكأن فعلا كان هناك ثمة اشتراط خليجي و إماراتي على وجه التحديد بقبول هذه الاخيرة سفير لليمن في عاصمتها (ابو ظبي) مقابل فرض قيادات ثورية جنوبية بتلك المناصب. ما يعني هذا ان دولة الإمارات العربية المتحدة تقف بقوة خلف هذه التعيينات, وبالتالي يزيد هذا من نسبة الاعتقاد بوجود جهة ضغط خارجية بحجم دولة الإمارات العربية المتحدة لإنجاح مهام هؤلاء المعينين, على وقع الحديث عن مفاوضات جنيف التي باتت على الأبواب بعد تعثر الحسم العسكري -شمالاً على الاقل- ونية أطراف الصراع بالدخول بترتيبات توافقية مستقبلية وشيكة.