إن التعامل الدولي مع الصراع الحالي الدائر في اليمن يشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها الغربيين لا يفهمون اليمن حقاً. حتى دول الخليج، وهي الأقرب إلى اليمن بدأت مؤخرا في الاستجابة للكارثة التي كادت أن تعصف بالمنطقة كلها لكن استجابتها كانت متأخرة.
والمشكلة أن زاوية رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لليمن منذ سنوات عدة ظلت محدودة وتدور فقط حول فكرة الحرب على الإرهاب. وظهر هذا جلياً في علاقة الإدارة الأمريكية بالديكتاتور المخلوع على عبد الله صالح. وقد كشفت معلومات حديثة تستند إلى بعض التقارير وبعض المعلومات التي أظهرها أعضاء سابقون في تنظيم القاعدة انه خلال فترة ولاية عبد الله صالح، استغل تركيز الولايات المتحدة على الحرب على الإرهاب لدعم استمراره في السلطة.
وقد أكد عدد من الذين غادروا " تنظيم القاعدة" علنا عن وجود تنسيق ملموس بين نظام صالح وتنظيم القاعدة من اجل تسهيل ودعم الضربات ضد المؤسسات الحكومية الغربية واليمنية في صنعاء. زود صالح أيضا "تنظيم القاعدة " وغيرهم من الجماعات المتطرفة بالأموال والمعلومات المخابراتية لضرب المصالح الغربية والتي ادعى حمايتها من قبل كما كشف عن ذلك فيلم استقصائي بعنوان (مخبر القاعدة) أعدته قناة الجزيرة الفضائية كشف فيه عميل مزدوج لتنظيم القاعدة وجهاز الأمن القومي اليمني واسمه هاني القدسي تورط صالح ووكيل جهاز الأمن القومي السابق ابن شقيقه عمار في تمويل القاعدة لاستهداف سياح اسبان في محافظة مأرب شرق اليمن عام ٢٠٠٧ م واستهداف السفارة الأمريكية في العاصمة صنعاء.
إن دعم الولايات المتحدة لصالح كان لافتا للنظر، حيث بذلت الحكومة الأمريكية جهودا للحفاظ على الأجهزة الأمنية اليمنية الموالية سابقا لصالح بعد الإطاحة به في أعقاب الربيع العربي في اليمن حتى أن بعض أعضاء الأجهزة الأمنية ما زالوا موالين له حتى اليوم. وقد أدت العلاقات بين صالح وتنظيم القاعدة في اليمن والولايات المتحدة، إلى فقدان الكثير من اليمنيين الثقة في دوافع الولايات المتحدة بسبب دعمها لنظامه. وهناك من يعتقد أن حكومة الولايات المتحدة كانت على علم بالتعاون بين صالح والجماعات الإرهابية. وقد ازداد الإحباط مع تصرفات الغرب في الآونة الأخيرة تجاه اليمن. فعندما كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تسعيان للبحث عن حليف قوي ومناسب في حربها ضد "تنظيم القاعدة"، اختارت الحكومات حلفاء صالح من المليشيات الحوثية المدعومة من إيران. ولئن كان صحيحا أن الحوثيين صرحوا علانية أن جهودهم المبذولة كانت موجهه لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك تنظيم " القاعدة" و "داعش"، لكن الواضح لكثير من اليمنيين أن دعم تلك المجموعات المسلحة مثل (جماعة الحوثي) لمحاربة الإرهاب ما هو إلا تكتيك خاطئ من قبل المجتمع الدولي.
لا يمكن التقليل من خطر الإرهاب لكن دعم الحوثيين للقتال ضد الإرهاب في بلد تمثل فيه الطائفة السنية (المذهب الشافعي) الأغلبية يؤجج التوترات الطائفية ويعمق الشعور بالتهميش لدى الأغلبية السنية. ويعتقد الكثير من السنة أن ميليشيات الحوثي تخوض حربا إقليمية تستهدف السعودية ودول الخليج بدلا من الحرب ضد الإرهاب وتلك الحرب موجهة ضد السنة وترتكز على حلم العودة باليمن إلى حكم الأقلية الزيدية. وقد أدت الحسابات المخابراتية الخاطئة إلى تخلى المجتمع الدولي عن اليمن وتركه في صراع مستمر وكذلك فعلت حكومات دول الخليج منذ البداية، خاصة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية عندما ارتأت أن محاربة "الثورات العربية" والإسلاميين من شأنه أن يضمن أمن دولهم. أما الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، فقد ارتأت أن مخاوفها الاستراتيجية في اليمن تنبع فقط من وجود "تنظيم القاعدة" و"داعش".
الآن تناقش العديد من البلدان مخاطر المنظمات الإرهابية وضرورة مواجهتها، ومع ذلك يجب على هذه الأصوات أيضا أن تسأل نفسها كيف يمكن للمجتمع الدولي إنجاز هذه المعركة ضد الإرهاب دون الوقوع في شرك الانقسامات الطائفية الناشئة حديثا في العالم الإسلامي. بدلا من ذلك، يبدو أن التركيز على التهديد الإرهابي على حساب التهديد الطائفي، اقنع الدول بقبول محاولات إيران تقديم نفسها كبديل لمكافحة الإرهاب في اليمن من خلال الجناح العسكري المسلح والمنظم التابع لها من مليشيات الحوثي. وقد فشل اليمنيون في استخلاص إدانة قوية من الغرب ضد المليشيات الحوثية التي استولت على عدد من المدن اليمنية، والعاصمة صنعاء في سبتمبر 2014. ولم ير اليمنيون أي تحد غربي لسلوك هذه الميليشيا المدمرة أثناء وبعد الاستيلاء على هذه المدن بما في ذلك قتل المدنيين، وانتهاك حقوق الإنسان، وخطف الناشطين والصحفيين من أجل إسكات وسائل الإعلام وحتى تدمير المساجد والمنازل تحت دوافع طائفية.
وهناك العديد من الأمثلة على توثيق تلك الجرائم الخطيرة كما فعلت منظمة "عين" لحقوق الإنسان حيث وفرت هذه المنظمة مقاطع فيديو وبعض الشهادات من شهود العيان على الجرائم التي ارتكبتها قوات الحوثي وصالح على مدار السنة في قرية صغيرة تسمى (خبزه) في وسط محافظة البيضاء، التي تم الاستيلاء عليها في نوفمبر 2014. وقد قامت منظمة "عين" بتوثيق نحو 750 حالة انتهاك العام الماضي، بما في ذلك القتل والإعدام، والاختطاف، والاختفاء القسري وتدمير المزارع، وقصف المنازل بالمدفعية الثقيلة، والنهب، وحرق المنازل، والتهجير القسري، واستهداف مخيمات المشردين داخليا والمدارس. وقد حدثت تلك الهجمات تحت ستار محاربة "تنظيم القاعدة " إلا انه لا يوجد أي دليل على وجود عناصر التنظيم في القرية. وبدلا من ذلك، أشارت تلك الهجمات بوضوح أن هناك دوافع طائفية واضحة في طريقة تعامل مليشيات الحوثي مع الأراضي التي تم احتلالها. وقد تجلت تلك النزعة الطائفية المعقدة بوصف قادة الحوثيين للأغلبية السنية التي تسكن تلك الأقاليم في اليمن بأنهم إرهابيون ويتبعون “تنظيم داعِش." وكانت تهدف تلك التصريحات إلى كسب ود الغرب، لكن في نفس الوقت ساعدت في الصمت عن إدانة العنف الذي مارسوه ودوافعهم الطائفية.
ولكي يضمن الحوثيون استمرار الإعلام في نشر خطاب الإرهاب، قاموا بإغلاق وسائل الأعلام ومحطات التلفاز، والقبض على الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان، والمعارضين السياسيين. إلا أن هذه الانتهاكات لم تلق تغطية كافية في الصحف الغربية. ولم تخرج أيضا أي تعليقات أو تصريحات ملموسة من مراكز البحوث الغربية أو من منظمات حقوق الإنسان، لكن جزءا كبيرا من هذه التصريحات يعكس فقط ما يصدر عن وكالات الأنباء والمنظمات ووسائل الإعلام التي تدعم الحوثي. ليس هناك بارقة امل تدل على أن تلك الدول ستقوم بإعادة تقييم وجهه نظرها حول معالجة مشاكل اليمن. فما زال السفير الأمريكي في اليمن "ماثيو تولر" الذي يجتمع بانتظام مع المسئولين اليمنيين وبخاصة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادى، يعتقد انه من المناسب إعطاء الحوثيين الفرصة للمشاركة في حكم اليمن. وقد خلص إلى أن هذا الأمر مناسب بالرغم من الجرائم التي ارتكبتها تلك المجموعات بالشراكة مع حليفهم على عبد الله صالح، الذي عمل على تسهيل الإطاحة بالدولة ويسعى إلى العودة إلى السلطة. وقد صرح مسؤولون رفيعو المستوى في الحكومة اليمنية أن المسؤولين الأميركيين أبلغوهم خلال الاجتماعات الخاصة انهم يعتبرون أن الحوثيين يمثلون الأقلية الزيدية في البلاد وهذا مالا يوافقهم أحد عليه حيث يرى الكثير من اليمنيين أن مليشيات الحوثي عبارة عن مجموعة مسلحة تابعة لإيران تعمل في اليمن ولا تمثل أي مذهب أو طائفة فيه بل تمثل نفسها وزعيمها المختبئ في صعده شمالي البلاد.
أحمد الشلفي هو محررالشوؤن اليمنية في قناة الجزيرةِ.