مروان الغفوري
المرجع الحوثي المعروف محمد المطاع أصدر فتواه الأهم منتصف الأسبوع الماضي.
وصف في فتواه الرئيس هادي، ومن يعمل معه، بأنهم»خلعوا رتبة الاسلام، وحكموا على أنفسهم أنهم من أصحاب الجحيم «.
في اعتقادنا، تعتبر الفتوى تلك ثاني أخطر نداء طائفي صدر في اليمن بعد خطاب التعبئة العامة والفتح المؤزر الذي أصدره عبد الملك الحوثي.
غير أن المطاع انزلق بعيداً، وذهب يحرض اليمنيين على “قتال داعش قبل أن تفرض علينا حكم سعد بن عبادة”.
كان واضحاً أن » داعش«، بالنسبة للمطاع والحوثي، هي كل من يعتقد أن سعد بن عبادة كان صحابياً يستحق التبجيل.
قال المطاع الكلمات التي تلاعب بها عبد الملك: من يرفض حقنا في الحكم، كما فعل سعد، فهو داعش وعلينا قتاله.
داعش، إذن، هي الطائفة الأخرى من الاسلام، تقول كلمات المطاع. قبل حوالي ربع قرن ظهرت أولى الطلائع المنظمة للحركة الحوثية.
المرجعية النظرية الحوثية كتبت مرتين: ملازم حسين الحوثي، وتلك ليست أكثر من أحاديث عشوائية ببعد مركزي واحد »نحن أهل الله وخاصته «.
ثم الوثيقة الفكرية والثقافية، التي كتبها علماء المذهب واعتمدها عبد الملك الحوثي. ٲعتبرت الوثيقة الفكرية، ٢٠١٢، كل نظام سياسي لا يدين بالولاء الكامل ل»الثقل الأصغر، عترة رسول الله” ضلالاً.
أخذ الضلال بعد ذلك منحى آخر، فقد اعتبره عبد الملك الحوثي »طغياناً«.
في الأعوام الثلاثة التي أعقبت إصدار الوثيقة كان »الطغيان« هو منطلق كل خطابات الحوثي. كالعادة، وتطورياً، سلك الحوثي طريق الجهاد في مواجهة الطغيان، لا السياسة.
أما الطغيان، في خطابات عبد الملك الحوثي، فقد صعد درجة أخرى: الكفر.
فالذين طلبوا منه النزول من الجبل والدخول في السياسة، كالآخرين، كانواطغاة. وعندما وقفوا ضد حروبه أصبحواكفاراً. وفي كل الأوقات لم ينس قط القول إنه إنما يخوض حروبه ضد التفكيريين. أي: التكفيريين الكفار.لا يوجد عدو محدد للحوثيين في اليمن. يطلبون أمراً واحداً: الخضوع، ثم سيغدو كل شيء على ما يُرام. فالقوميون والإسلاميون الذين يواجهونهم في تعز وعدن ومأرب هم كفار، خلعوا رتبة الاسلام. بينما يُنظر، حوثياً، إلى الخاضعين في صنعاء، ممن استسلموا ل »العُويلة والبنادق« بتعبير الإرياني، بوصفهم مواطنين صالحين.
الكفر الذي يتحدث عنه عبد الملك الحوثي، ومرجعياته الفكرية، لا يعالَج بالإيمان بالله بل بالخضوع لعبد الملك.ليس ذلك النوع من الكفر الذي يرفض الإيمان بالله، بل بعبد الملك.
هذه الفكرة الصلبة، والعميقة، تمثل الشمس الذائبة في كل نصوص المرجعية الفكرية والثقافية للحوثي.
فالضلال، تقول الوثيقة، هو كل ما يقع خارجها.
أما سعد بن عبادة، الذي دعا المطاع إلى جهاده، فهو كل نظام سياسي يشق طريقه بعيداً عن العترة الشريفة، كل نظام، وأي نظام. ناهيك عن المنحى الطائفي المفزع الذي تدل إليه تلك العبارة. وهي في تقديرنا أشد خطراً من حادث تفجير مرقد العسكري، ٢٠٠٦.
رغم كل ذلك يصر الحوثي على القول إنه جاء لقتال التكفيريين. التفكيريون، كما يقول الخطاب الحوثي، هم الذين يعتقد الحوثي أنهم كفار.
الجهة الوحيدة في اليمن التي تصدر بيانات باهتة، من آن لآخر، تقول فيها إن الحوثيين كفرة خارجين عن الملة هي فرع عن جماعة القاعدة يُديره علي عبد الله صالح، حليف الحوثيين.
يا للسخرية، ما من أحد يكفر جماعة الحوثي سوى حليفه. لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة سبق، قبل عام ونصف، أن قدمت عريضة طويلة إلى مجلس الأمن عن علاقة صالح بالقاعدة، والخراب، ونال بسببها عقاباً أممياً بالإجماع.
يعرف الحوثي هذه المعلومة جيداً، لكنه لا يريدها.ذهب الحوثي إلى السياسة وخلفه » المجاهدون« رافضاً نقلهم إلى ناشطين سياسيين، أو مواطنين. وعندما طُلب منه أن يمنح جماعته إسماً قال »أنصار الله«. خاض السياسة منطلقاً من فكرة أن كل حكم سياسي غير خاضع ل»العترة الشريفة« هو حكم مغتصب.
من الفكاهة السوداء التذكير بأن هذه الجملة وردت، على نحو متكرر، في خطابات صالح خلال حروبه مع الحوثيين. وهي، كما يظهر، تقول الأشياء بدقة وليست من قبيل الدعاية السالبة.
صالح رجل من أهل المذهب، وهو حليف وجليس وصديق لأئمته ودهاقنة العترة، الماليين والعسكريين. سبق لأحد مفكري السلالة أن قال، قبل سنين، إن ما يجري في اليمن مرده إلى وصول »أبناء الشوارع« إلى السلطة. لا حديث عن الكفاءة والجدارة، ولا عن المشروع ، بل الأبناء والجينات.
يصبح المرء ضالاً، ثم طاغية، ثم كافراً لمجرد أن جيناته اختلفت.
يحدث أن تقوده جيناته المختلفة إلى البحث عن حلول سياسية من هذا العالم خارج صندوق العترة. ذلك هو الضلال، وأن يفعل المرء ذلك فهو »يخلع رتبة الاسلام ويجعل نفسه من أهل الجحيم« كما يقول المُطاع.
أما عبد الملك الحوثي فلديه حلول خاصة لمثل هذا النوع من الضلال : التعبئة العامة.
الوطن القطرية