بين الشرعية والمقاومة الجنوبية

2016/02/12 الساعة 02:01 مساءً

تتزايد التجاذبات المتعلقة بالتعامل بين السلطة الشرعية في عدن ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي ونائبه رئيس الوزراء خالد بحاح، وبين بعض مكونات المقاومة الجنوبية بخصوص التعامل مع أفراد المقاومة ومعالجة الملف الأمني بشكل عام.

عندما التقيت الرئيس عبد ربه منصور هادي في العاصمة السعودية الرياض كنت قد اقترحت على الرئيس (من بين مجموعة قضايا تحدثنا فيها) استيعاب أفراد المقاومة في مؤسسات الجيش والشرطة لحل عدة مشاكل بإجراء واحد، من خلال أولا تأمين مصدر معيشي لهؤلاء الأبطال الذين قاموا بعمل لم يقم به الجيش الذي استهلك أموال البلاد على مدى خمسين عاما هذا من ناحية ومن ناحية أخرى توحيد طاقات الجماعات المقاومة التي لا تجمعها قيادة موحدة، وثالثا وهو الأهم قطع الطريق على تحول المقاومة إلى جماعات متناثرة ومتناحرة ونشوء ظاهرة ما يسمى "أمراء الحروب" أو جماعات ميليشاوية، وكان النموذجان الليبي والسوري حاضرين في مخيلتي وقد عرفت من الأخ الرئيس حينها أن هناك توجيهات بتكوين مجموعة من الألوية العسكرية تستوعب رجال المقاومة.

كان ذلك في 17 من رمضان الماضي وكانت كل مديريات عدن ما تزال تحت سيطرة الانقلابيين، باستثناء بعض أجزاء المنصوة ودار سعد والشيخ عثمان والبريقا، وهي مناطق كانت ما تزال تحت قصف قوات الغزو.

منذ ذلك الحين جرت متغيرات كبيرة لصالح التصدي لمشروع الانقلاب والغزو، واستعيدت عدن وحررت أربع محافظات من الحضور الحوثي العفاشي، لكن من المؤسف أن هناك من اعتبر طرد الجماعة الانقلابية هو نهاية الحرب، وبخصوص المقاومة على وجه الخصوص جرى التعامل مع استيعابها في المؤسسة العسكرية والأمنية بتباطؤ وتسويف شديدين وربما باحتيال، وأعرف شخصيا أن هناك مسؤولين ممن يحيطون برئيس الجمهورية لا يروق لهم الحديث عن استيعاب صانعي الانتصار في إطار المؤسسة الرسمية، ربما لأنهم ما يزالون ينظرون إلى هؤلاء على إنهم عناصر شغب، أو إنهم قد سرقوا الأضواء وقد يسحبون من نفوذهم ويتمددون على حساب المساحة التي يحتلها هؤلاء.

لا يمكن الحديث عن استعادة العاصمة دون تحويلها إلى منطقة آمنة خالية من الفوضى والتسلح العشوائي وجماعات القتل والإرهاب والتفجير والتدمير، وهذا لن يتم دون تحويل المقاومة بكافة فصائلها ومكوناتها إلى جزء من المؤسسة العسكرية والأمنية الرسمية، وإلى أداة ضاربة في وجه جماعات التخريب والقتل وصانعي الرعب ومنتجي الأهوال بدلا من تجاهلها وإهمال رجالاتها أو تحويل بعض جماعاتها إلى خصم رئيسي ونسيان الخطر الأكبر الذي ما يزال يتهدد الجميع ويلتهم فرائسه كل يوم من الجميع.

أتفهم أن استيعاب عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من المقاتلين الشباب في الجيش والأمن يتطلب موازنة ضخمة لتغطية نفقات الباب الأول وحده ناهيك عما يلازم هذا الاستيعاب من نفقات إضافية كالغذاء والملابس والمنشآت لكنني أعرف أيضا أن مئات الأفراد تم استيعابهم في وظائف وإرسالهم للدورات التدريبية في دول شقيقة وكان معيار الانتقاء لهؤلاء هو قرابتهم من بعض المسؤولين القادمين من الرياض، وربما لم يحمل بعضهم بندقية ولم يشارك حتى في مسيرة أو مظاهرة ترفض الغزو والاحتلال.

ولرجال المقاومة الأبطال نقول: أنتم لم تحملوا السلاح لتحصلوا على وظائف حكومية أو رواتب شهرية، وإن كان هذا من حقكم، لقد حققتم معجرة لم يحققها الجيش الذي التهم كل ثروات البلد ونال من التدريب والتأهيل ما نال عبر عشرات السنين، واستشهد رفاقكم وجرح منكم المئات وأسر منكم العشرات وربما المئات، وكنتم تقومون بكل هذا دونما انتظار مكافأة من أحد، فلا تجعلوا الوظيفة همكم الأول ولا تسمحوا للراتب الشهري أن يلغي فدائيتكم وروحكم الوطنية العالية وينسيكم قضيتكم الكبرى التي من أجلها ثرتم وفي سبيلها تحملتم أمر المشقات، وسيكون من الحكمة توجيه طاقاتكم وجهودكم لمجابهة العدوان الذي ما يزال يتربص بالكل ويغتال من بين صفوفكم خيرة الرجال، ومن المؤكد أن قضية معالجة مشكلة الاستيعاب ستتم إن عاجلا أم آجلا.

وأتمنى على شباب المقاومة وقياداتها أن تخطو خطوة مهمة باتجاه توحيد فصائل المقاومة وتكوين مؤسسة متكاملة البنيان موحدة تشمل كل المحافظات المحررة، تتبنى القيادة والتوجيه لكل أفراد المقاومة والتعبير عن همومهم ومطالبهم بالوسائل المدنية والقانونية المشروعة، وسيكون من واجب السلطة التعامل مع هذه المؤسسة كإطار جماهيري موازي ومكمل لأجهزة السلطة (الغائبة أصلا) لا المواجهة معها وتحويلها إلى غريم متهم بمختلف الاتهامات بالحق وبالباطل.