لا تزال مدينة عدن تعيش أحداثاً مأساوية، على الرغم من مرور أشهر عدة على تحريرها من قبضة الحوثيين وصالح، وقد استغل تنظيم «القاعدة» الغياب الواضح للدولة لتنفيذ مخططاته الرامية إلى اختطاف السلطة عبر سلسلة من الأعمال الإرهابية التي يجري تنفيذها بين وقت وآخر.
لم يكتف تنظيم القاعدة بتنفيذ أعمال تصفية للكوادر العسكرية والأمنية والقضائية والمسؤولين الحكوميين، بل تعدى الأمر لينافس الأعمال الإجرامية التي يرتكبها تنظيم "داعش" الذي بدأ يتبنى في الآونة الأخيرة عمليات إجرامية دامية في عدد من المناطق اليمنية، كان آخرها استهداف مجندين شباب من أبناء عدن البسطاء الباحثين عن عمل للهروب من شبح البطالة، وهو الأسلوب الذي يتبعه تنظيم «داعش» في العراق، حيث أدت عملية نفذها التنظيم، الأربعاء الماضي، إلى مقتل وجرح العشرات من الأبرياء.
والسؤال هو: ما هو رد فعل الجانب الحكومي في اليمن لمواجهة هذا التغول الكبير من قبل التنظيمين في عدن، وبقية المناطق الجنوبية التي تحضر فيها عناصرهما، بخاصة لحج وأبين وشبوة وحضرموت؟ ذلك أن انتظار الهجمات والعمليات الإرهابية من دون فعل حقيقي ملموس لن يؤدي إلا إلى مزيد من الكوارث والأزمة.
معالجة الفوضى التي تنتشر هذه الأيام في عدد من المناطق المحررة تستلزم الكثير من الانضباط، بل والكثير من الإرادة لدى الحكومة والرئيس عبدربه منصور هادي بشكل خاص، المدعوم من الإقليم والمجتمع الدولي، وعدم الركون إلى الآلية القديمة في وضع الخطط الأمنية، لأن الخطط الحالية لم تعد تنفع في ظل الأوضاع الحالية، وقد حان الوقت لمراجعة الموقف بأكمله وعدم الركون إلى الخبرة الأمنية والعسكرية القديمة للدولة التي قضى عليها الانقلاب الذي نفذته جماعة الحوثي وأنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح في سبتمبر/أيلول من العام 2014.
يدرك الرئيس هادي، ومعه القيادات المحلية في عدن وبقية مناطق الجنوب، أنهم أمام محك واختبار حقيقيين، فبوسع الجميع اتخاذ الكثير من الإجراءات المؤثرة في مسار الأزمة القائمة، وبدء بناء جيش وأمن حقيقيين واستيعاب الشباب في مؤسسات الدولة، لأن بقاءهم عاطلين عن العمل يفتح الطريق للتنظيمين الإرهابيين لاستقطابهم تحت إغراءات عدة، أهمها المال الذي يتوفر لهم، إضافة إلى الشحن الديني الذي يتم استغلاله بشكل كبير في ظل غياب الدولة.
لقد أقنع تنظيم القاعدة أنصاره بأنه بإمكانه حمايتهم وفتح المجال أمامهم ليصبحوا قادة مؤثرين في المجتمع، وزرع فيهم روح مقاومة من يسموهم «الطواغيت»؛ في إشارة إلى النظام القائم، ولذلك التحق شباب كثيرون من البسطاء في صفوف التنظيم من دون أن يدركوا أنهم يساقون كالنعاج إلى مصائرهم المحتومة.
هناك بدائل أخرى لوقف نزيف الدم الذي يسيل اليوم في عدد من المناطق اليمنية، وكلما سرعت الدولة في معالجة واحتواء الأسباب المؤدية إلى العنف كلما كانت الخسائر أقل، وكلما تباطأت الدولة في الضرب بيد من حديد توغل الشر أكثر وأكثر ويصبح الحديث عن السيطرة عليه في المستقبل ضرباً من المحال.