ما يحدث في عدن يكشف لنا حجم مشكلتنا , التي تخطت الانقلابيين ( الحوثي و عفاش ), و صاروا ماضي يحتضر , لا مصدر لديه للحياة سوى فشلنا في إرساء أركان دولة , بما يلبي الشيء اليسير من طموحات وأمال الناس . المشكلة فينا , في شركاء المقاومة وجبهات القتال , في غياب القاسم المشترك الذي يجمعنا كهدف وطني وإنساني يتفوق فينا عن الذات والصغائر وأحقاد الماضي . فرض علينا القتال للدفاع عن حلم وطموح الناس , ممن أراد أن يبتلع الوطن وما عليه , وينقلب على التوافق والحوار ومخرجاته , هم شركائنا في الوطن , منهم كانوا في صف الشرعية الثورية , وشركاء حوارنا الوطني , كل ذلك للوصول لشرعية دستورية لدولة وطنية ,في وطن ديمقراطي يجمعنا , ودستور وقانون حكما بيننا , دولة ضامنة للحريات والعدالة والمساواة , نتبادل فيها السلطة بسلمية وشفافية ونزاهة . الوحل القذر الذي لطخ الوطن هو نتيجة طبيعية لتسيد العنف , ورعب الثورة المضادة من ثورة شعب حقه , يدفعون لترسيخ صراعا طائفي ومناطقي قذر , واضح معالمه في خطابهم ولغتهم , كما قال سقراط عن أهمية الكلمة (( تكلم حتى أراك )) ,وقديما أيضا قال الإمام على بن أبى طالب: الرجال صناديق مغلقة مفاتيحها الكلام , فالكثير يختبئ خلف كلمات ولغة وحديث عن الوطنية والحق كجواز مرور لقلوب الآخرين من البسطاء , معاناتهم وأوجاعهم لا تحتمل , فاستثمرها المنافقون وعزف على وترها , ليجعلهم وسائله وأدواته في تبديد أحلامهم والقضاء على طموحاتهم وافقدهم مصالحهم الحقيقية . أن حدثته عن الدولة يشير لك بأنه هو الدولة , ويمارس صلاحياته كدولة لها قوانينها الخاصة , يقودها أمير أو سيد , أو شيخ أو قائد لا تهم التسميات فهم دول داخل الدولة وتقوضها , هو الحاكم والقاضي والجلاد , في قانون لا تعرف أركانه , قانون مدون بعناية في أدمغتهم وأفكارهم ويلبي غاياتهم وأجندات أسيادهم . المواطن اليوم في عدن وغيرها من المناطق المحررة يبحث عن بصيص أمل في التغيير , في ثقافة وسلوك قيادة الثورة والمقاومة , في قرارات ومسار التحول , في ما ننتجه من انتصارات , وما نحققه من انجازات , لما يدل أن هناك تغييرا يتم , ومولود جديد يتشكل في رحم هذه الثورة , في ما هو ساكن في نفوس الجماهير وما يعيش في وجدانهم من أمل وحلم وطموح , هل فعلا لازالت أحلامهم براقة وتزهوا في سماء الوطن , أم تنازع الموت وفقدت حجمها وجوهرها ورونقها , والناس اليوم تبحث عن أدنى ما كانت تطمح إليه , تبحث عن لقمة العيش عن الأمن والأمان عن دبة غاز وكهرباء وقطرة ماء , بل بعضهم تخلى عن حلمه وصار يحلم بعودة الماضي الذي أبكاه , حقيقة مرة علينا أن نواجهها اليوم , ونبحث في أسبابها وعثراتنا في التغيير وتلبية طموحات وأمال وأحلام الناس . انظر لواقع عدن , تحررت من الانقلابيين , لكنها لم تتحرر من الماضي وأدواته البائسة , من ثقافة الفيد والنهب والانا , و وجس الأخر , من المصالح الذاتية الضيقة , من ثقافة العنف والإرهاب وتصفية الحسابات , من السلبية واللامبالاة من الاصطفاف المناطقي والطائفي المقيت . هل واقع عدن اليوم نموذجا يجسد أحلامنا وأمالنا وثقافتنا وأفكارنا وأهداف ثورتنا ؟ قلتها ولازلت مصرا عليها لا تغيير بمعاول خراب الماضي , واقع عدن اليوم هو المؤشر فعدن لازالت تنهب , أراضيها مؤسساتها معالمها التاريخية والحضارية وبصمات أبنائها الأوائل , عدن لازالت تفقد ارثها الثقافي والفكري والاقتصادي والتجاري , عدن لازالت تنتهك في عرضها وكرامة أبنائها يقتلون في الشوارع وتنهك حقوقهم , عدن اليوم تفرغ من تنوعها , يقتل فيها التعايش ويموت فيها الأخر المختلف , عدن لازالت تئن . عدن تحتاج لإنقاذ , لينطلق التغيير وتصحيح المسار منها , ليتشكل النموذج المرسوم في حلم وطموح الجماهير , في شعاراتها المرددة دائما الدولة الضامنة للحريات والعدالة , الدولة المدنية , من عدن يجب ان ننطلق لرحاب العصر والنهوض والتطور .