خالد الشودري
شكل قرار الرئيس هادي بإخماد تمرد قائد القوات الخاصة المقال بالحسم العسكري نقطة تحول في مجريات الأحداث خصوصا بعد وصول وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي إلى منزله وخروجه من الإقامة الجبرية في صنعاء، حيث قاد الحسم السريع وفر السقاف اثره بوساطة قبلية وافق عليها الرئيس هادي.
افشل إخماد تمرد السقاف مخطط مليشيا صالح والحوثي كان يراد به الاطباق على مدينة عدن والسيطرة على المطار و محاصرة قصر معاشيق الرئاسي، و قصف الطيران الحربي الذي يسيطر عليه الانقلابيون لأول قصر الرئاسة في معاشيق بعدن.
الوضع العسكري كان يصب لصالح الحوثيين خصوصا بعد فرار أغلب قيادات وجنود الوحدات العسكرية المتواجدة في مدينة عدن، الأمر الذي استدعى وزير الدفاع لترتيب محور العند و تعيين قيادات عسكرية في بعض المواقع، لكن الأحداث لم تسعفه و وقع في أسر الانقلابيين برفقة اللواء ناصر منصور و العميد فيصل رجب تسببت بها بعض الخيانات.
الأحداث تتسارع ويطل الرئيس هادي لأول مرة منذ وصوله إلى عدن عبر شاشة التلفاز بخطاب إلى الشعب يندد فيه بقصف الطيران للقصر الرئاسي و يتوعد الانقلابيين برفع علم الجمهورية اليمنية فوق جبال "مران" في صعدة، لكن اللجان الشعبية التي قدمت من محافظة أبين بقيادة عبداللطيف السيد انسحبت بعد اخماد تمرد السقاف إلى أبين مجددا،
وشهدت المعسكرات عمليات نهب واسعة من بعض القيادات العسكرية الأمنية و فتح مخزن جبل حديد للسلاح ابوابه بعد نهب أغلب السلاح من تلك القيادات المتخاذلة، و تم توزيع ما تبقى من سلاح وذخيرة على بعض المواطنين الذين قدموا للحصول على ما يمكنهم من الدفاع عن الأرض والعرض، كما تعرض قصر معاشيق الرئاسي للنهب و السلب، بعد مغادرة الرئيس هادي إلى السعودية.
ووجد الناس العزل أنفسهم وجها لوجه مع جيش مدرب و مليشيا خبرت الحروب، وتشكلت حينه نواة مقاومة شعبية نبعت من رفض الناس بكل مشاربهم القبول بالأمر الواقع، لا سيما والأخبار تتوالى عن اقتراب ارتال حشود المليشيات إلى مدينة عدن، بعد سقوط قاعدة العند العسكرية و سيطرتهم على المواقع العسكرية المحيطة بالمدينة، وبدأ الشبان من أبناء عدن بعمل تشكيلات من مقاتلي المقاومة بما توفر لديهم من أسلحة خفيفة و ذخيرة و تبرعات من الأهالي لتموين تلك الجبهات.
لم يكن هناك مقارنة بين المقاومة و الانقلابيين من حيث التسليح و الخبرة العسكرية والعتاد فذلك جيش مدرب تم الاستيلاء عليه و تلك مقاومة شعبية نشأت في ظرف الضرورة بعد انسحاب جميع القيادات العسكرية والسلطة المحلية واختفاءهم عن المشهد، ولم يبق مسؤول حكومي يعرفه الناس سوى الوزير البطل نايف البكري و الذي كان يشغل حينها وكيل محافظة عدن حيث اختار أن يدخل التاريخ من أصعب أبوابه وانحاز إلى الخيار الشعبي والمتمثل في المقاومة و الصمود و حجز لنفسه مقعدا في مصاف الخالدين.
لكن في المقابل كان المقاومون يمتلكون روحا معنوية جبارة وهم يدافعون عن مدينتهم وحواريهم ومنازلهم، ولا يملكون شيئا يخسرونه فالعدو قدم إلى مدينتهم وقرر العدوان دون أدنى سبب، و هم يحملون أرواحهم الطاهرة على أكفهم.
كان الانقلابيون قد أعدوا العدة للسيطرة على مطار عدن الدولي وفعلا تمت السيطرة وكانت جبهة المطار أولى جبهات القتال التي اندلعت بين قوات الانقلابيين و المقاومة، و انهارت كل الجبهات في ضواحي مدينة عدن و استطاعت المليشيات الوصول إلى مدينة خورمكسر الساحلية عبر الخط الساحلي الممتد حتى منطقة الشقرة الساحلية و كان لواء المجد التابع للحرس العائلي يرسل التعزيزات من مدينة البيضاء عبر عقبة "ثرة" المشهورة وصولا إلى أبين فخورمكسر دون عناء الا من مقاومة بسيطة،
و أعلنت الهيئات الشرعية والعلمية وخطباء المساجد النفير العام دفاعا عن الأرض والعرض والتصدي للفئة الباغية التي قررت مصادرة إرادة الشعب و استباحت دماء الأبرياء وفجرت المنازل والمساجد و مدارس تحفيظ القران الكريم وسعوا في الأرض فسادا و تدميرا، وكانت قوافل الأحرار من شباب المدينة تتقاطر يوميا إلى جبهة المطار، وسقط عشرات الشهداء الأبرار و جرح آخرون، وفجع الجميع حينها بوقوع القيادي في المقاومة الشيخ حكيم الحسني في أسر مليشيا صالح والحوثي، وقرر زملاءه من المقاومين السير على ذات النهج حتى تحرير كامل المدينة.
كانت المدينة تعيش ليالي السهاد والقلق والترقب ومواكب الشهداء تصل يوميا من جبهة المطار في خورمكسر، حتى أفاق الناس في ليلة السادس والعشرين من مارس 2015 على قرار التدخل العسكري العربي و انطلاق عاصفة الحزم دعما للشرعية في اليمن في مواجهة الانقلابيين، وتنفس الناس الصعداء و شكل هذا الحدث دعما كبيرا لمعنويات المقاتلين في الجبهات، حيث أصبح التفوق الجوي عاملا أساسيا في تدمير سلاح المليشيات المنهوب من مخازن الجيش، و أعاد توازن القوة لصالح المقاومة على مسرح العمليات.