محمد جميح
لا جديد. إسماعيل ولد الشيخ متفائل، لمجرد أنه ـ في الكويت – تم تشكيل لجنة لمتابعة ما تم التوافق عليه في محادثات «بييل» السابقة بين الحكومة من جهة، والحوثيين وحليفهم صالح من جهة أخرى، اختراق.. أليس كذلك؟
دعونا من ولد الشيخ، قليلاً.
الحوثيون أول ما صدر القرار الدولي 2216، استعاروا كلمات أحمدي نجاد، وقالوا: «القرار لا يستحق ثمن الحبر الذي كتب به»، ثم عادوا وقالوا نلتزم بالقرار الدولي، ثم عادوا وقالوا: لا يعنينا، ثم عادوا وكتبوا للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التزاماً خطياً به، ثم رجعوا وقالوا: لن نسلم السلاح (الذي نهبوه من مخازن الجيش)، ثم ذهبوا للكويت للتباحث حول تنفيذ القرار الدولي، وما زالت الحلقة المفرغة تدور.
حليف الحوثيين، الرئيس السابق، يلعب معهم لعبة الملاكم الذي لم يصل بعد إلى مرحلة «رمي القفازات». يطل علينا ليقول إنه لم يعد يحكم، والسلطة بيد الحوثيين، وأنا لا دخل لي في الحرب الجارية. الحوثيون بالطبع يبلعون طعم الرجل، ويفاخرون بأنهم رجال المرحلة، وصالح يريد التملص داخلياً وخارجياً من تبعات الحرب التي جرت في اليمن، وهذا سبب حرصه الدائم على التصريح بأنه ليس طرفاً في الحرب، وأنه لم يعد في السلطة. ما يزال صالح يحتفظ بـ»القفازات»، ولا تزال القفازات تؤدي دورها. بصماته غير ظاهرة، واللكمات السياسية والأمنية والعسكرية تصدر عن – وتأتي على – قفازاته التي لم يعد بإمكان أحد التنبؤ بمدى قدرة صالح على خلعها، أو التوقيت إن كان صالح ينوي أن يخلعها قبل أن تلتهم كفيه.
قال لي مقرب من صالح مؤخراً: إذا أردت أن تفهم كيف يفكر صالح حالياً، فاعمد إلى تصريحاته، واقرأها بالمقلوب. قلت: كيف؟ قال: صالح يكتب تصريحاته من اليسار إلى اليمين، وعليك أن تعيد قراءتها في نصها العربي من اليمين إلى اليسار، لتفهم ماذا يريد صالح أن يقول. أضاف محدثي: صالح يحقد على هادي ويمقت الحوثيين. قلت: بينه وبين الحوثيين تحالف واضح، كيف يمقتهم؟
قال: هناك طريقتان لفهم ما يدور في ذهن صالح: إما أن تقرأ تصريحاته بالمقلوب، أو أن تقرأ ما يكتب بعض مقربيه. قلت: كيف؟ قال: صالح يقول: تحالفنا مع الحوثيين للدفاع عن الوطن، لكن كتبته يسربون أن الحوثيين خانوا الوطن بالذهاب منفردين إلى توافقات ميدانية مع السعودية. أضاف: صالح يصافح الحوثيين فوق الطاولة، ويناول ـ من تحت الطاولة ـ موقفه الحقيقي منهم.
قلت: ماذا يريد صالح؟
قال: يريد أن يرسل رسائل للسعودية. قلت: ما مضمونها؟ قال: صالح يبطن رسائله للمملكة بأنه حليفها القديم، وأنه الرقم الصعب، وأن التنسيق معه أفضل من التنسيق مع الحوثيين. قلت: وماذا عن السعودية؟ قال: السعودية لم تعد تثق به.
وماذا بعد يا يمن؟
حكومة الرئيس اليمني وقعت في شرك التفاصيل. الحوثيون وافقوا لها على العنوان العريض، وهو القرار الدولي 2216، أو هكذا يبدو، لكنهم توهوها في التفاصيل. وفد الحكومة يعلن أنه لن يغادر الكويت حتى تعلن وفاة الجنين الذي يبدو أنه لن يرى النور، حتى ولو عبر عملية قيصرية.
الضغط الدولي كله يقع على الحكومة. يقول المسؤول الدولي: لا يمكننا أن نمارس ضغطاً على المليشيات. الحكومة هي التي يجب أن تقدم التنازلات، لأنها شخصية اعتبارية مسؤولة. الحكومة يعجبها أن يسميها المجتمع الدولي «حكومة شرعية»، لكن المجتمع الدولي يبتزها باسم «الشرعية» التي تصور أنه منحها إياها بالقرار الدولي، ثم مارس عليها ضغوطه لأنها «شرعية ومسؤولة»، بينما الحوثيون «غير شرعيين وغير مسؤولين».
لذيذ هذا المسمى «المجتمع الدولي»، خمسة أشخاص في مجلس الأمن هم المجتمع الدولي، هم رغبات ستة مليار إنسان على سطح هذا الكوكب. لم تعد هناك عبارة أكثر إثارة وإلغازاً من حكاية «المجتمع الدولي»، الذي لا يعني أكثر من خمسة أشخاص يجلسون في مكان حقيقي ليعبروا عن تطلعات مجتمع افتراضي، أشبه ما يكون بفضاء الصداقة على وسائل التواصل الاجتماعي.
على كلٍ…
هذا المجتمع الدولي يطلب من الحكومة اليمنية أن تشارك المليشيات التي أدانها من قبل، في تشكيلة حكومية جديدة، كي تقوم الحكومة الجديدة بنزع سلاح المليشيات، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الصادر تحت الفصل السابع.
وعلى ذكر «تشكيل الحكومة»، يهدد محمد عبدالسلام، رئيس الوفد الحوثي المفاوض، في حال انهيار المحادثات، بأنه سيشكل حكومة. هذه مزحة حوثية جديدة، لكنها خفيفة خفة دم أخينا عبدالسلام صلاح فليتة. ماذا سيتغير في الأمر إذا شكلتم حكومة؟
ما هو الفارق العظيم، والنقلة النوعية على مستوى الخيارات الاستراتيجية التي يذكرها الحوثي دائماً؟ صالح يمسح «شاربيه» ويضحك من أعماقه، وهو يقرأ تهديد عبدالسلام بتشكيل حكومة. صالح يقول لن أشارك فيها، وصالح الحليف-العدو لم يعترف باللجنة الثورية العليا للحوثيين، ولم يعترف بالإعلان الدستوري، ومع ذلك يذهب الحوثيون لتشكيل حكومة لن يعترف بها حتى وليهم علي خامنئي.
واليوم يشيد صالح الصماد رئيس المكتب السياسي للحوثيين بموقف «الزعيم»، الذي كانوا يقولون عنه إنه «دمــــــية سعودية» ورأس «القاعدة»، ومجـــرم يجب أن يذهــــب إلى المحــاكم الدولية، ربما لاسترضائه لتشكيل حكومة مع مهدي المشاط وضيف الله الشامي، من يدري؟
ربما كان الجديد هو أن الحوثيين اليوم يهددون السعودية بأن 27 مليون يمني سوف يجتاحون حدودها عبر آلاف الكيلومترات إذا انهار الاقتصاد اليمني الذي نكبوه بالسوق السوداء، وسرقة البنك المركزي، والحروب الداخلية والخارجية.
كان النبي العربي الكريم، يقول إن من علامات الساعة أن يوسد الأمر إلى غير أهله.
هذا المشهد اليمني الساخر يؤيد حديث النبي الكريم. هذا هو الشيء الحقيقي والجديد في اليمن السعيد.
وسلامتكم. محمد جميح