"التحييد".. سلاح الحوثيين الفتاك

2016/06/06 الساعة 01:37 صباحاً
جماعة الحوثيين مكون أيديولوجي صغير ظهر قبل عقد ونصف فقط في الأرياف النائية من صعدة في أقصى شمال اليمن، وهي واحدة من 22 محافظة يمنية. إذن، كيف استولوا على اليمن حتى وصلوا أقصى جنوب البلاد بعددهم القليل وخلال فترة زمنية قصيرة جداً اتسع فكرهم بتلك السرعة؟ كيف تجاوزت قواتهم المحدودة الذي عجزت من قبل أمام قرية دماج السلفية في صعدة شهرين في نهاية عام 2013م حين كانوا يسيطرون على كامل صعدة بكل معسكراتها؟ كيف تجاوزت قواتهم المحدودة قبائل كبيرة مسلحة وجيوش جرارة وعشرات المعسكرات بدباباتها ومدافعها وصواريخها حتى أنهم اكتسحوا العاصمة صنعاء خلال 3 ايام فقط؟ كيف صمدوا أمام دول قوية؟ ما هو السلاح الفتاك الذي يملكونه والذي يساعدهم على تحقيق مكاسبهم في مختلف المعارك العسكرية كانت أو السياسية؟ في عام 2013، إلتقيت بأحد أبناء صعدة يعمل سائق سيارة أجرة بصنعاء، علمت حينها أنه كان شيخا قبلياً ذا مكانة ورفعة في قومه، لكنه أصبح كالآلاف من أبناء صعدة مشردا في صنعاء بعدما استولى الحوثيون على منزله وأملاكه. وبعد حديث مطول، حكى لي قصته مع الحوثيين وكيف وصل به الحال إلى أن يعمل سائق سيارة أجرة ويسكن في بيت إيجار وهو صاحب المزارع والتجارة في صعدة التي كانت مستثناة من خارطة الفقر في اليمن. يقول الرجل بأنه خلال سنوات الحرب كانت جماعة الحوثي تواجه أحد أقربائه ممن ينتمون للتيار السلفي. وأثناء المواجهة وحصار قريته، قدموا لهذا الشيخ مراراً طالبين منه أن يكون محايداً، لأنهم لا يستهدفونه بل يريدون ابن عمه الذي وصفوه بصاحب "الفكر التكفيري" والذي أساء لهم. وفعلا، أقنعوه بالصمت مؤثراً سلامته, وقضت الجماعة على ابن عمه وهو صامت لا يقول شيئا وساكن لا يتحرك وهو من كانت قبيلته تأتمر بأمره. وبعد فترة، بدأت سلسلة المضايقات، وفرض الحوثيون على الرجل مبالغ يقدمها للجماعة لدعم "المجاهدين". وعندما رفض، كان مصيره مصير ابن عمه، غير أنه استطاع الفرار وأسرته إلى صنعاء. قامت الجماعة بالسيطرة على مناطق صعدة المختلفة عبر إقناع عشرات القرى والقبائل المجاورة للمناطق المعرضة للالتهام بنفس أسلوب ”التحييد". كان عضو مجلس النواب والشيخ القبلي علي حسين المنبهي أحد الضحايا أيضاً، فقد خدّره الحوثيون حين أشعروه بالأمان، وبعدما فتكوا بأسر كثيرة في قبيلته "منبه"، بات المنبهي وحيداً ليقتحموا منزله ويقتلوا والده ابن التسعين عاماً. استغل الحوثيون القيم القبلية اليمنية الأصيلة التي تقدس العهود ومنح الأمان، وتجعل من انتهاكها انتقاصاً لرجولة ودين من يقوم بها، ليجعلوا من هذه القيم أداة فعّالة في تحييد وتخدير الخصوم ليتم تحييد كل القوى المحيطة بمنطقة ما ليلتهموها بهدوء ثم ينالوا من القطعة المجاورة ويفتكوا بمن طمأنوهم في السابق. وفي عمران، وعندما أرادوا القضاء على الشيخ صغير بن عزيز الذي قاتل بقوة إلى جانب الدولة خلال الحروب الست، أوهموا أولاد الأحمر، وهم كبار مشائخ عمران, أنهم يستهدفون رجال صالح وهو ألد أعدائهم. وهذا ما جعل آل الأحمر يشاهدون أحد أهم حصون عمران تتهاوى في يد الحوثيين. وعندما وعندما فرغوا من مواجهة عزيز بعد أن قاومهم ببسالة في حرف سفيان، التفتوا إلى آل الأحمر أنفسهم، لكنهم قبل ذلك طلبوا من بقية قبائل حاشد أن تنتهج الحياد، فقبيلة حاشد ليست المقصودة وإنما آل الأحمر فقط. وتم تفجير منازل الأحمر وتشريدهم، لينتهي الحال بكافة قبائل حاشد اليوم بأقيالها ورجالها أسرى أو مهانين تحت سلاح الجماعة ولم يعد أحد يسمع شيئاً عن أي من كبار القبيلة كما تعودوا لا سيما خلال الاوضاع الصعبة الحالية. وقبل اجتياح العاصمة صنعاء ومنذ وقت مبكر، حرصت الجماعة على تحييد المكونات السياسية والمجتمعية في العاصمة، فشكلت لجنة معنية بالتواصل مع رئيس الجمهورية والحكومة والأحزاب السياسية والسفارات والمنظمات المحلية والدولية لطمأنتهم بأن الحشود التي تحيط بصنعاء لن تدخل صنعاء لتؤذيهم أو تضر بمكتسبات الجمهورية أو تمس بالنظام السياسي، وإنما للقضاء على علي محسن الأحمر وأولاد الأحمر وجامعة الإيمان فقط. ومن الغرائب في هذا الأمر، أن جماعة الحوثي اقتحمت صنعاء تحت شعار "ثورة ضد فساد الحكومة وجرعة الوقود"، لكنها كانت قد تواصلت مع رئيس الحكومة محمد سالم باسندوة قبل اقتحام صنعاء وطمأنته بأنها لا تستهدفه فهو كما قال المتصل: "من أنزه اليمنيين"، بالرغم أن وسائل الإعلام التابعة لهم تبث صوره باعتباره أحد أقطاب الفساد..! على المستوى الشخصي، لا أعتقد بأن هناك صحفيا أو ناشطا حقوقيا وإنسانيا أو حتى مواطنا لم يسمع جملة "خليك محايد" التي يطلقها ويكررها الحوثيون (الجناح المدني) في المجالس واللقاءات عند الحديث عن الجرائم التي يرتكبها الجناح المسلح للحوثيين. وبالتأكيد معنى الحياد هنا هو أن لا يتحدث الشخص عن الجرائم التي يرتكبها الحوثيون في حق المدنيين والأبرياء أو الاستيلاء على مؤسسات الدولة أو نهب البنك المركزي. اليوم، هاهم يستخدمون ذات السلاح مع المملكة العربية السعودية، يحاولون ارضائها بشتى لطرق لتحييدها ليتفرغوا هم لقتل اليمنيين وحكمهم بالحديد والنار، وعندما يتمكن الأمر لهم ويشتد عودهم، يتم استهداف السعودية من جديد.