ســـام الغـُــباري ×
..
- إذا أردت أن تصبح رئيساً ، عليك الدخول إلى القصر الجمهوري وإعلان ذلك ، ونشره عبر وسائل الإعلام الرسمية للحكومة ، ذلك مالم يفعله "محرم كوسا" في تركيا ، وانتهى بانقلابه تحت وقع صفعات وأحذية رجال الشرطة الموالين لأردوغان .
- في اليمن ، التي تشهد إنقلاباً عنيفاً لميليشيا "الحوثيين" منذ عام ونصف العام ، أُعلن من داخل القصر الجمهوري بالعاصمة اليمنية في 6 فبراير 2015م تشكيل ميليشاوي لإدارة الدولة وصار "محمد علي الحوثي" – رئيساً لما يسمى باللجنة الثورية في صنعاء – ، ومنها تحركت جحافل القوة الحربية لقوات الجيش اليمني التي سيطر عليها الحوثيين إلى عدن لملاحقة الرئيس هادي ، ومن هناك إندلعت الحرب وتدخلت عاصفة الحزم لوقف العبث الخطير والإنقلاب المرعب لرجال إيران في اليمن ، بعد مفاوضات ماراثونية مع الرئيس صالح ونجله ، لإقناعهما بالتخلي عن حساباتهما الخاطئة بتأييد الإنقلاب الحوثي ، إلا أن أحداً منهما لم يستجب وأدخلا نفسيهما وعائلتهما وجمهورهما في مربع ملتهب ، وفي لعبة فقدا كامل خيوطها بفشل الإعلان الأخير لما يسمى بالمجلس السياسي مع فريق "الحمائم"الحوثي الذي تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى في منزل القيادي المؤتمري "صادق أمين أبوراس" .
- بعد الإعلان الإنقلابي الأول بيوم واحد في 7 فبراير 2015م ، كتبت في صحيفة اليمن اليوم مقالاً بعنوان "هل أصدر عبدالملك الحوثي إعلانه حقاً؟!" ، تحدثت فيه عن فرضية غياب مجمل القيادات "المدنية" والسياسية للحوثيين في ذلك الإعلان سيء الصيت ، وأسبابه بمقابل حضور واضح للقيادات الحربية "الصقور" داخل الجماعة المغرورة ، وقلت بوضوح "أن هناك صراع أجنحة واضح"! ، وكان المقال سبباً في إختطافي ودخولي السجن لأكثر من ستين يوماً ، إلا أن المسكوت عنه في السابق ، ظهر إلى العلن بصورة دراماتيكية بعد رفض "محمد علي الحوثي" الخروج من داخل قصر الرئاسة ، أو السماح لأعضاء المجلس السياسي – الجديد – بالإعلان عن مجلسهم من مقر الحكم كما هو المعروف في طبائع الإنقلابات .
- لم يعد باستطاعة "علي عبدالله صالح" الدخول مجدداً إلى القصر الجمهوري بعد أن غادره الرئيس "هادي" مُـكرهاً إلى عدن قبل عام ونصف العام ، وظهر الرئيس السابق الذي حكم اليمن لمدة 33 عاماً ضعيفاً وممنوعاً من الإقتراب إلى أهم مناطق سيطرته السابقة ، حتى أن الأسماء التي أُعلن عنها ضمن تشكيلة هذا المجلس ، لم تكن تلك التي يُـعول عليها إدارة ما تبقى من الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحوثيين .
- في ذات السياق ، وفي إطار حملة محمومة من جناح "محمد علي الحوثي" المُـكنى بـ "أبو أحمد" ، أصدر الرجل الذي يتولى مقاليد السلطة فعلياً قراراته المجنونة خلال الأيام الماضية ، بما يشبه المجازر الوظيفية لتحصين نفسه من الإنقلاب الأخير ، وتوظيف الآف من الموالين له في مناصب حساسة في رئاسة الوزراء ، والجيش والأمن ، وتغيير قيادة قوات الإحتياط إلى مُـسماها السابق "الحرس الجمهوري" ، وجعلها تابعة لرئاسة هيئة الأركان العامة الموالية له ، وهو ما يُـلقي بظلال الأسئلة الحارقة عن مدى تحكم "صالح" في الحرس الجمهوري وقائده اللواء "علي الجايفي" الذي كان معروفاً بمناصرته الشرسة للإماميين في حروب الجمهورية وحصار السبعين .
- نحن أمام فانتازيا هستيرية دفعت بأجنحة الإنقلاب الأول ، والإنقلاب المضاد إلى واجهة المشهد ، حيث تبنى "يوسف الفيشي" قبل أسابيع الهجوم العلني على "إيران" بصفحته على "فيسبوك" ، متهماً إياها بإستغلال معاناة اليمنيين ، وإدارتها للحرب وفق مصالحها الإستراتيجية في المنطقة ، وبطريقة ابتزازية ! ، ويُعبر صوته عن عشرات من قيادات "الحمائم" أمثال محمد عبدالسلام ، وصالح الصماط ، وحسين العزي ، وآخرين ، وقد كان هؤلاء أبرز الوجوه الغائبة عن الإعلان الأول للإنقلاب في فبراير 2015م ، إلا أن سُـلطة الأمر الواقع فرضت عليهم معادلة جديدة خاضوا غمارها لإثبات بقاءهم متماسكين ، غير أن صيحات أبطال الجيش الوطني والمقاومة التي باتت على بعد كيلو مترات من العاصمة صنعاء ، أخرجتهم من سكوتهم الطويلة ، ودفعت تململهم الطويل إلى حركة جديدة ، تشابه حركة "توكل كرمان" المثيرة للسخرية في خضم الإحتجاجات الشبابية في 2011م ، بإعلانها مجلساً سياسياً لإدارة البلد ، سرعان ما أخذته الرياح إلى ذاكرته البلهاء .
- سيتقاتل الأخوة الأصدقاء بداخل جماعة الحوثيين البغيظة في قادم الأيام ، بعد أن تعلو أصواتهم ، وتحتدم خلافاتهم ، وكل ما علينا هو التقدم إلى العاصمة صنعاء ، ومراقبتهم ، فمن شروط المجلس الجديد الذي تم الإعلان عنه في إحدى أقبية "صالح" الأمنية ، أن يكون سلطة أعلى لإدارة ما تبقى من البلاد ، غير أن الرجل أدرك أنه وقع في مأزق آخر ، فلم يشأ أن يورط أسماءه الكبيرة في هذا المجلس الأحمق ، ودفع بأسماء باهتة من داخل حزبه إلى مشاركة "الإنقلابيين" الجدد ، و ربما تكون هذه الحسنة الوحيدة لكل هذا الضجيج الفاشل .
- ينبغي على عقلاء المؤتمر الشعبي العام أن يفهموا أخيراً أن هذا المجلس إنتحارٌ جماعي قاده "صالح" ليذهب بهم إلى قاع مجهول ، فقد أيقظ حماسة المحاربين العقديين من أمثال أبو علي الحاكم ويوسف المداني وعبدالكريم الحوثي وعبدالخالق الحوثي الذين يرونه مسؤولاً عن مقتل سيدهم "حسين" في ٢٠٠٤م ، ويعتبرون هذا المجلس إنقلاباً عليهم وعلى اعلانهم القديم ، وقد تُزهق روح "صالح" جزاءً بما كسب ، أما "عبدالملك الحوثي" فقد صار ممثلاً مملاً لأتفه أدوار الكومبارس ، تُـملى عليه الخطابات من هذا الطرف أو ذاك ، فيظهر لأداءها وترديدها دون أن يملك سُـلطة حقيقية في تحديد مسارات الأطراف المميتة .
- كانت يدي على قلبي خوفاً من تبعات "المجلس الجديد" ، إلا أن ما حدث وما سيحدث ، يجعلني أقهقه ضاحكاً ، وأدرك المثل الشعبي الشهير القائل "إلتم المتعوس على خايب الرجا" ، حدث هذا فعلاً في صنعاء ، أضحكوا معي بأعلى ما تستطيعون .
.. وإلى لقاء يتجدد
× كاتب وصحافي يمني
#سام_الغباري