مازلت حتى الان غير مصدق، ان انسان وهب نفسه للناس، في افضل الظروف، واحلكها، دون ان ينتظر مقابل، او كلمة شكر، يرحل كهذا فجأة ..انها صدمة حقيقية اصابتني، واصابت كل من عرف الاستاذ صالح ناجي حربي عن قرب، جعلتنا غير مصدقين نبأ رحيله، عن الدنيا الفانية، حتى ونحن نقبل جبينه المنير ،وهو مسجى في ثوب الجنة الابيض، وحتى ونحن نواريه الثراء، كنت ما زلت اعيش صدمة رحيله بين مصدق، ومكذب..هكذا عندما يرحل الطيبون، العظماء، دون استئذان، وهم في اوج عطائهم، يصاب محبيهم بالصدمة، التي يصعب تجاوزها بسهولة ..صالح حربي الانسان، والقائد العسكري الفذ، والبرلماني الشجاع الذي لايساوم، ورجل الخير، والتعاون، الذي ملى حياة من عرفهم وعرفوه حبا، وقيما، ونبلا،السياسي الفيلسوف، الذي اصبغ على السياسة اخلاقا، وقيما، في زمن يندر فيه هذا الصنف من الرجال ..عندما اتعامل معه كسياسي اتذكر ما كنت قد سمعته وقراءته عن فيصل عبداللطيف، وابراهيم الحمدي،وعندما اتعامل معه كثوري، وقائد ميداني، يذهب بي الخيال الي غاندي، وعندما اتعامل معه كرجل خير مدافع عن حقوق الناس، اتذكر لوثر كنج..صالح حربي الرجل البسيط، المتواضع، الاب، والصديق، والمعلم، كنت اتوقع انه سيظل حيا ينبض بالحياة، والنشاط، والحيوية، ننهل، وينهل منه الجميع، قيم النضال، والاخلاق، والتضحية، والحب، والتسامح، والسلام، كنت اعتقد ان امثاله لايرحلون فجأة، لذلك كانت صدمتنا كبيرة، وكبيرة، دفعتنا الي عدم تصديق رحيلك المؤلم.
عرفت صالح ناجي حربي العام 2001في مدينة عدن يومذاك كنت طالبا في الاعلام في جامعة عدن، وكان هو يقود عدد من الجمعيات الخيرية والتعاونية، في عدن، ومنذ الوهلة الاولى تقف امام شخصية آسرة تحس انك تعرفها منذ زمن، كان صيته، وسمعته، بين الناس تسبقه، فاينما ذهبت تجد صالح حربي، على السن الناس، يعددون مناقبه، ويشيدون بطيبته، واخلاقه، ومواقفة، الانسانية، كان رمزا في زمن قل فيه الرموز ..كان صادقا في زمن يندر فيه الصادقون..منذ ذلك التاريخ قبل عقد ونصف، وانا الصديق، والولد، والتلميذ، في مدرسة صالح الحربي، التي ينتمي اليها كثيرون، يعيشون اليوم مثلي صدمة رحيله الفاجع.
قبل حوالي اسبوعين من رحيله، التقيته في فندق كورال بخورمكسر ،في ندوة شارك فيها عدد محدود من القيادات، والكوادر الجنوبية، كنت احدهم، وكانت عن الامن في عدن، والجنوب، كان امامي على الطاولة، وكان قد سبقني الي المقعد المقابل، بادرته بالتحية ساعة وصولي، فرد علي بابتسامه عريضة، وتحية مهذبة، تنم عن رجل عظيم يحب الاخرين، ويضع لهم مكانات في ذاكرته الملئة بالهموم، وقلبه الطيب الابيض،بدات الندوة وكل منا اخذ دوره في الحديث، وحينما جاء دور استاذنا ومعلمنا العظيم، صمت الجميع، وكانهم يستمعون لفيلسوف يفلسف الكلمات كما لو كان يصب قطرات العسل في افواه القوم، وحينما انتهى الجزء الاول من الندوة وخرجنا لشرب الشاهي، تصافحنا بابتسامات عريضه، وشد على يدي بقوة، كما لو كان يقول: انه السلام الاخير ياباسم، ياولدي، فواصل المشوار..
نعم كان السلام الاخير، في حضرة رجل عظيم، سيظل حيا بافعاله، ومواقفة، التي يصعب على الاخرين القيام بها اليوم، لانها تحتاج للتضحية، وقليلون هم المخلصون، الصادقون، المضحون، ونتمنى ان نكون منهم لنواصل مشوار راحلنا العظيم ومعلمنا الملهم.
وداعا شهيد السلام ..لقد رحلت وانت تنتهي من انجاز صلح بين ابناء الصبيحة، لانهاء الثار ..رحلت وانت تنشر السلام، والحب، في اوساط اهلك، وقبيلتك،انها مهمة انسانية عظيمة لا يتصدى لها الا العظماء امثالك،فنم قرير العين ايها العظيم، فا مثالك كنت اظنهم لايرحلون.
مصدر الخبر : موقع يافع نيوز الاخباري : http://yafa-news.net/archives/200679#ixzz4I0c7wZgm