ذهب الحوثيون إلى بغداد بشكل مفاجئ، وعادوا منها إلى العاصمة العُمانية مسقط بشكل مفاجئ أيضا، عندما طلبهم المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ ليناقش معهم التفاصيل المتعلقة بـ”مبادرة كيري”، تصرف دون أجندة لا يختلف كثيرا عن سلوك التحالف العربي الذي لا يزال حتى اللحظة يُخفي الأجندة الحقيقية لتدخله العسكري في اليمن.
بعقلية العصابة تدير ميلشيا الحوثي الطائفية هذه المساحة الواقعية من الأرض من صنعاء إلى تعز ومن البيضاء إلى الحديدة، والأخطر من عقلية العصابة ارتهانها لأجندة طائفية موتورة تستدعي كل إحن التاريخ وأحقاده وتضيف إليها المصالح التي تُخفيها إيران خلف اصطفافها الشيعي ومزايدتها بالانخراط في قضايا المنطقة من زاوية دعم “الخط المقاوم”.
ذهب الحوثيون إلى بغداد ليس كفريق يمثل الاصطفاف السياسي الجديد في صنعاء الذي عبر عنه ما يسمى “المجلس السياسي الأعلى”، ولكن بصفتهم الطائفية وباعتبارهم أداة إيرانية واضحة، خصوصا أن الزيارة ترافقت مع توتر شديد في العلاقة بين الرياض وبغداد.
لقد عكست هذه الزيارة الدور الحقيقي لأذرع إيران في المنطقة سواء كانوا عصابات أو حكومات، فالحكومة العراقية ظهرت مثلها مثل ميلشيا الحوثي مجرد أدوات في يد إيران، وغابت الفوارق الواضحة في طبيعة ومستوى وهوية ولون الذين قابلهم الحوثيون في بغداد.
فقد قابلوا المدعو “أبو عزرائيل” وهو قاتل محترف على الهوية الطائفية وقاد ولا يزال مجاميع إرهابية تقوم بمداهمة المنازل التي يقطنها سنة العراق، وتنهبها وتشرد بأهلها بعد كل معركة خاضتها وتخوضها القوات العراقية التي تخضع لأوامر رئيس الوزراء حيدر العبادي.
العبادي نفسه تصرف مثل “أبو عزرائيل”، فأسدى للحوثيين تأييدا لمجلسهم السياسي الذي شكلوه بالشراكة مع المخلوع صالح، لكنه لم يقل إن الحكومة العراقية تعترف بهذا المجلس، وأنه سيرسل سفيرا جديدا إلى صنعاء، لأنه فقط كان يمارس الابتزاز السياسي للرياض، نيابة عن طهران، ولأنه لم ينس أبدا أنه ابن “حزب الدعوة” الذي صُنع في إيران وتم تصديره إلى العراق.
ها هو وفد الحوثيين يعود إلى مسقط بعد أن أنهى دوره في أحدث عرض ضمن مسرحية إيرانية سيئة الإخراج، ولكنها مفيدة جدا لأنها ضربت الجرس بما يكفي لتذكير الرياض، وهي اللاعب الأساسي في المشهد اليمني، بأن عليها أن تغير من أسلوب تعاطيها الحالي مع شركائها في الحرب اليمنية.
فالذي يظهر من السياسيات التي تتبعها الرياض يعبر عن حالة من عدم الرُّشد السياسي، لأنها ببساطة تعمل على تفكيك جبهة الحرب التي تقودها تفكيكا قد لا يكون بمقدورها إعادة ترميمه على المدى البعيد.
هذا يتضح من خلال شحة الإمداد التسليحية التي يعاني منها مقاتلو الجيش والمقاومة على الرغم من وفرتها الهائلة بحوزة التحالف على الأراضي اليمنية وليس في الطرف الآخر من الحدود.
هذا لا يتفق أبدا مع الإنجازات التي يحققها الجيش الوطني والمقاومة ولا مع الأهداف الأخلاقية المفترضة للمعركة بما تعنيه من استعادة الدولة وحفظ وحدة اليمنيين ووقف شلال الدم الذي يصب حاليا جراء استمرار الحرب.
هناك قرارات سيئة تقض مضاجع عشرات الآلاف من الناشطين في جبهة الشرعية الذي دفعت بهم الظروف للذهاب إلى المملكة، ومن هؤلاء عدد كبير قرروا التوجه إلى الجبهة لمواصلة القتال، وبينهم ضباط في الجيش، لكن عقلهم مشدود إلى وضع أسرهم وذويهم الذين يعيشون معركة يومية مع هموم الإقامة ومع إمكانية الالتحاق بالمدارس السعودية، ومع القرارات التي تستجد كل يوم وبعضها تتحدث عن عدم تجديد التأشيرات الحكومية.
وفي عدن وبقية المحافظات الجنوبية، تتعمق غربة اليمنيين في وطنهم، مع تفنن سلطات الأمر الواقع المرتبطة بالإمارات في التضييق على اليمنيين وعدم تمكينهم من العيش في جزء من بلدهم نتيجة إخضاعهم لفرز مناطقي مقيت.
السعودية كبلد أساسي ومتحكم في مشهد الحرب والسلم في اليمن في هذه المرحلة مثله مثل التحالف العربي الذي تعتبر الإمارات القوة الثانية فيه كلاهما، لم يكشف بعد عن الأهداف الحقيقية لتدخلهما العسكري في اليمن، ولكن السلوك الذي يمارسانه يدل على الطبيعة السيئة لهذه الأهداف.
وحين تنحدر أهداف التحالف إلى هذ المستوى من السوء فإن الفوارق تتقلص بين دوافع التدخل الإيراني والمنظومة المرتبطة بها في شؤون اليمن وبين طبيعة التدخل القائم حاليا للتحالف العربي.
فهل يعتقد التحالف العربي أنه مُنح شيكا على بياض للتصرف كما يحلو له في اليمن، وأنه لا يوجد طرف ثالث حاضر بقوة ومؤمن بهويته اليمنية، وأنه لن يحتاج إلا إلى تحوير طفيف في طبيعته الميدانية؛ لكي يقلب الطاولة على الجميع، ويعيد اليمن إلى حاضنته الوطنية.
*عربي21