كابد عددٌ كبيرٌ من اليمنيين في عيد الأضحى المبارك وفي شهر سبتمبر لهذا العام، كما لم يكابدوا في أي عام مضى من عمر الجمهورية. فموظفي الجهاز الإداري واجهوا مشكلة في الحصول على مرتباتهم ومستحقاتهم، وهي الحجة الوحيدة التي أبقت البنك المركزي بيد الانقلابيين، ووضعت نحو أربعة مليارات دولار تحت تصرفهم فاستخدموه في المعركة التي يخوضونها من اجل السيطرة على الدولة بقوة السلاح.
حركة انتقال الأموال كانت هي الأصعب هذا العام، فبسبب العجز الحاد في السيولة، لم يستطع عدد كبير من استلام الحوالات الخاصة بهم عبر شبكة مصرف الكريمي ومحلات الصرافة المنتشرة في البلاد.
استنجد البنك المركزي بالنقود التالفة لتغطية هذا العجز في وقت يعترف فيه محافظ البنك محمد عوض بن هُمام بأن هناك ترليون وثلاثمائة مليار ريال، فكيف بقيت هذه الكمية الكبيرة في السوق ولم تعد إلى البنوك من الذي يحتجزها بالتحديد.
هذه المبالغ لو أنها بيد الشعب لعادت إلى البنوك لأن هذا الشعب سيضطر لشراء احتياجاته وستدور الأموال لتصل مجدداً إلى البنوك.
خرج علينا محافظ البنك بموقف مثير للإحباط، فقد ظهر منافحاً عن الانقلابيين ويبحث عن مخرج لأجلهم حتى لو اقتضى الأمر توجيه الدعوة للمنظمات المانحة لكي تضخ الأموال للبنك المركزي، دون المرور بالسلطة الشرعية.
الحرب التي تخوضها الميلشيا الانقلابية متعددة الأوجه، فهي تحارب في الجبهات وتعتدي على المدن وتحاصرها، وتصادر أموال الناس وتفصلهم من وظائفهم وتنشئ سوقاً موازية، وعملت طيلة الفترة الماضية على تنشيط الأسواق السوداء، لقد حولت حياة الناس إلى قطة من الجحيم.
ادعى الانقلابيون في منتصف 2014 أنهم يثورون ضد فساد الحكومة وضد قرارها تحرير أسعار المشتقات النفطية. كان الجميع مستغرب وأنا واحد منهم كيف استطاعت حكومة باسندوه أن تُقْدِمَ على هذا القرار وهي ضعيفةٌ، لأن قرار كهذا كان يمثل في حقيقة الأمر مغامرة كبيرة.
لكن اتضع فيما بعد أن المؤسسات النقدية الدولية وربما عواصم غربية وإقليمية دفعت الحكومة إلى اتخاذ هذا القرار، حتى يوفروا غطاء مقبولاً لاحتجاجات شعبية دفعت إليها الميلشيا لكي تنفذ أجندة محددة وهي استئصال القوى التي قامت بثورة الحادي عشر من فبراير 2011، كان هذا الهدف مشتركاً بين أطراف عدة محلية وإقليمية، وكان ثمة أهداف أخرى تتعلق ببناء شريق قوي ومؤثر للغرب في محاربة الإرهاب.
اريد أن أقول إن حكومة باسندوة وقعت ضحية مؤامرة خارجية بامتياز كان لها أدوات في الداخل بما في ذلك نصف الحكومة التي كانت تدين بالولاء للمخلوع صالح.
خرج الناس إلى الشوارع لكن ليس بزخم الخارجين ضد نظام صالح، كان مصممو الثورة المضادة يرغبون في الحصول على مسيرات مليونية ويحالون أن يملؤون الشوارع ولكنهم كانوا يفشلون دائماً، الأمر الذي كان يدفع بالمخلوع صالح والحوثيين لاستعراض قوتهم بطرق أخرى أكثر عنفاً كاحتلال الشوارع وإحراق الإطارات وغير ذلك من الإجراءات الاحتجاجية الخارجة عن إطار السلوك السلمي لأي حركة احتجاج.
ليس لدي أدنى شك بأن الذين اعتقدوا أنهم خرجوا مع الحوثيين من أجل تحسين معيشتهم يعضون أصابع الندم، على الفرصة التي ذهبت من بين أيديهم مع ذهاب حكومة باسندوه، والاستقرار الذي وفرته، والنجاح الاقتصادي الذي استطاعت إحرازه رغم الظروف الصعبة والتحديات العديدة التي كانت تواجهها.
حتى الذين خرجوا مع الانقلابيين بدوافع مناطقية أو طائفية تحضرهم المقارنة دائماً بين الماضي القريب والحاضر السيئ الذي أوصلهم إليه المخلوع صالح والحوثي.
كل المظاهر السيئة التي يمكن ان يواجهها بلدٌ فاشلٌ عاشها اليمنيون هذه الأيام، وأعتقد أننا كنا بحاجة إلى معجزة لكي نقنع الأجيالَ الجديدة بسوء النظام الإمامي الذي دفناه قبل 53 عاماً وعن المساوئ التي يمكن أن يجلبها أي نظام مناطقي أو طائفي لبلد لا يحتمل إلا التعايش بين أبنائه.