سعى الحوثيون إلى لعب لعبة قذرة للي ذراع الشرعية وإجبارها على تمويلهم بعد أن وجدوا أنفسهم إمام نفاذ الإحتياطيات النقدية في الخارج.
كانت الخطة الحوثية التي وصلت إلى مراحل متقدمة تقتضي طباعة 400 مليار ريال يمني أي ما يعادل مليار و600 مليون دولار بشكل سري وهو ما بدأوا فيه في مايو الماضي، وتتمثل الخطوة الثانية في سحب السيولة من السوق المحلية وتفريغ البنوك منها وعدم إعادتها إلى القطاع المصرفي وتكديس مبالغ كبيرة خارج البنك المركزي والبنوك الأهلية وإحداث أزمة سيولة.
اما الخطوة الثالثة فهي اعلان العجز عن دفع الرواتب بسبب سحب السيولة من القطاع المصرفي، وفي هذه الحالة ستدخل البلاد في حالة غليان شعبي كانت بوادرها قد بدأت بالظهور، وقتها سيعلن الحوثيون والبنك المركزي ان هناك 400 مليار ريال كافية لحل مشكلة السيولة وصرف الرواتب وسيكون امام الشرعية والتحالف خيارين إما تمويل الحوثيين والسماح بدخول المبلغ، او رفض دخول المبلغ وتحمل تبعات توقف الرواتب وبالتالي سيكون هناك حالة هيجان شعبي ضد الشرعية، وسيكسب الحوثي الآلاف من المقاتلين لدعم الجبهات بعد أن توقفت رواتبهم وستكون الشرعية في مواجهة مباشرة مع الشعب اليمني كله لأنها تسببت بتوقف الرواتب وسيتدخل المجتمع الدولي ويضغط على التحالف للسماح بدخول المبلغ وما هم سيتم وستنجح الخطة الحوثية.
ولن يتوقف الأمر عند دخول 400 مليار ريال بل سيتم تدوير المبلغ عدة مرات عبر شراء اذون خزانة وإخراج السيولة المكدسة والتي سيعيد البنك اقتراضها على شكل اذون خزانة وهنا سيكون الحوثيون قد تمولوا بمبلغ إضافي لا يقل عن 800 مليار ريال إلى ترليون ريال تقريباً.
وكان لدى البنك حلول آخرى لمواجهة أزمة السيولة منها زيادة أسعار الفائدة على الريال اليمني وشراء اذون خزانة، وبيع العملات الأجنبية التي يحتفظ بها في خزائنه بصنعاء مقابل الحصول على الريال اليمني، لكنه لم يتخذ أي من تلك الإجراءات لأن أزمة السيولة جزء كبير منها مصطنع.
وجدت الشرعية نفسها امام ثلاثة خيارات اما السماح بتمويل الحوثي وإدخال المبلغ، او رفض ذلك ومواجهة حالة غليان شعبي وتحمل مسؤولية توقف الرواتب، او الخيار الثالث وهو الأفضل ويتمثل في تعيين محافظ جديد للبنك المركزي ونقله إلى عدن وهم ما تم بالفعل وأفشل الخطة الحوثية التي كانت على مشارف النجاح وأن يحصلوا على تمويل بما يقرب من ترليون ريال.
أصدر الرئيس هادي القرارات بتنسيق ودعم كامل من المملكة العربية السعودية والتحالف العربي واستغرقت دراسة الملف المالي ما يقرب من اربعة اشهر من لجنة مختصة شكلتها الحكومة عقب تولي الدكتور أحمد عبيد بن دغر رئاسة الوزراء، ووضعت القرارت الجميع أمام الأمر الواقع ولا مناص من تنفيذها، أما الإنقلابيون فإذا رفضوا خضوع البنك المركزي بصنعاء إلى سلطة الدولة فإنهم بذلك يعرقلون صرف الرواتب وخاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم سواءً في أمانة العاصمة او غيرها.
من الجوانب الآخرى التي يخشاها الحوثيون ان السلطات الشرعية والبنك المركزي من عدن لن يسلمهم رواتب الجيش والأمن وسيتم صرفها تحت نظر الحكومة ووزارة الدفاع في مأرب او في محافظة آخرى واقعة تحت سلطات الشرعية وهو ما سيمثل نكبة كبيرة لجماعة الحوثي عسكرياً، وسيشكل عامل مهم في حسم المعركة عبر تحييد الجيش على الأقل وسيخسر المخلوع صالح والحوثيون الآلاف المقاتلين، كما أن الحكومة الشرعية لن تصرف رواتب عشرات الآلاف من عناصر الميليشيا المحاربين المعروفين باللجان الشعبة، كما لن تصرف رواتب كافة الموظفين الحوثيين الذين تم توظيفهم عقب الإنقلاب وبدون اي مبرر أو معايير او شهادات واغلبهم من الأسر الهاشمية وتوقف رواتبهم يعني تسريحهم إجبارياً، فهم غزوا مؤسسات الدولة لنهب الأموال قبل كل شي.
كما أن الحكومة الشرعية لن تصرف أكثر من مرتبات الموظفين وميزانية المؤسسات الضرورية كالمستشفيات فقط بينما ستتوقف عن صرف ميزانية الوزارات والمؤسسات المختلفة لمقراتها في صنعاء الا ربما للضرورة القصوى، وهو حشر للحوثيين في الزاوية.
وأخر ما قرأته اثناء كتابتي هذا المقال أن البنك المركزي في صنعاء اوقف النظام البنكي على فرعه في عدن وتضارب الأنباء بين تأكيد الخبر ونفيه، وقد حصل هذا في وقت سابق ضد فرعه في مأرب، وهو متوقع حدوثه وهو اول رد يتوقعه ابسط مواطن عوضاً عن لجنة مختصة عكفت على دراسة الموضوع من كافة جوانبه، والحقيقة أن عمل البنك المركزي في عدن سيمضي وسيتم شراء نظام بنكي جديد في حال تطلب الأمر ذلك، لكن ستعجز السلطات الشرعية عن دفع رواتب المواطنين من موظفي الدولة في صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثي كون مؤسسات الدولة وارشيفها والنظام البنكي في صنعاء واقع تحت سيطرة الحوثيين وبالتالي سيتحملون مسؤولية عرقلة صرف رواتب موظفي الدولة واذا كانوا على قدر من المسؤولية فعليهم أن يسمحوا للبنك المركزي أن يمارس صلاحيته ويصرف الرواتب.
سيكون الحوثيون أمام خيارين أحلاهما مر إما السماح بنقل البنك المركزي إلى عدن والتعاون لتنفيذ هذه الخطوة لكنه في نفس الوقت سيضمن صرف رواتب موظفي الدولة في المناطق الواقعة تحت سيطرته وتجنب السخط الشعبي، والخيار الآخر محاولة عرقلة نقل البنك المركزي إلى عدن ووقف الربط الشبكي وغير ذلك من الإجراءات المعيقة لكنهم ايضاً في نفس الوقت بهذه الإجراءات سيعرقلون عملية صرف رواتب الموظفين في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم وسيواجهون الغضب الشعبي وثورة موظفي الدولة.
تعمد الحوثيون إخفاء السيولة هو للحصول على أكبر تمويل ممكن وإستخدامه في وقت لاحق بهدف الصمود لأطول فترة ممكنة، لكن الرئيس هادي والحكومة وضعا الحوثيين في مأزق حقيقي وخيارات سيئة، وفي الحقيقة أنهم وقعوا في شر أعمالهم لأنهم لم يتركوا البنك المركزي يعمل بحيادية وقاموا بنهب أموال ضخمة لصالح ما يسمونه مجهود حربي، ونجد أنهم ما زالوا يتدارسون قرارات هادي لأنهم لم يكونوا يتوقعوا صدورها بسبب الضغط الدولي على الشرعية وخاصة الأمريكي بعدم الإقدام على خطوة كهذه.
وخلال الفترة القادمة متوقع أن يقوم الحوثيون بضخ بعض الأموال المكدسة لديهم في السوق خوفاً من قيام البنك المركزي بعدن بتغيير العملة وعدم قبول تغيير المبالغ المالية الضخمة، او لأسباب آخرى وتبديلها بعملات اجنبية هو ما سيؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف وسيتم إتهام الحكومة الشرعية بذلك .
وفي الأخير أود أن اوضح أني مواطن عادي مطلع ولست خبير إقتصادي، لكني فضلت الكتابة رداً على من يؤكد أن الرئيس هادي أنقذ الحوثيين والأمر متروك للخبراء الإقتصاديين لتوضيح المسألة من جانب اقتصادي دقيق.