قبل أقل من شهرين قدم عدد من قيادات التحالف في مأرب لزيارة القائد العظيم "عبدالرب الشدادي" وهو مصاب يتلقى العلاج في المستشفى.. اطمأنوا على صحته، وأرادوا أن يقدموا له شيئا يعبرون به عن حبهم ووفائهم، أو شيئا مما يمليه عليهم الواجب تجاه واحد من رفاقهم في الخندق.. سألوه: في أي مستشفى عالمي تحب أن تكمل علاجك؟ إلى أي بلد ننقلك؟
ابتسم وهو يهم بالكلام وأطرقوا إليه ينتظرون الجواب، لكنه لم يتكلم وكانت ابتسامته -والشفاه أبلغ من اللسان- كلمة شكر وتقدير.
قالوا: اختر أي دولة في العالم، ألمانيا؟ بريطانيا؟ أمريكا؟ أين تحب أن تكمل علاجك؟ انصرف بعينيه غير بعيد وقال بهدوء وثقة: الجبهة!!
يا الله.. ما هذه العظمة؟ ما هذا القلب الذي بين جنبيك؟ ما هذه الهمة؟ ما هذا الحب للوطن؟ ما هذه العزيمة وما هذا الإصرار ومن أين لك كل هذه القوة!؟
الجبهة هي أرقى وأكفأ مستشفى يريده، الإصابة هناك شفاء، الغبار هناك نقاء، الوعثاء والتعفر الذي يطمس الوجه هناك يزيد الوجه بهاء.
لم أصدق بعدها بأيام أنه قد عاد فعلا إلى الجبهة حتى رأيت صورته خلف المترس والضماد ما يزال ملفوفا على جراحه، و"إذا كانت النفوس كبارا.. تعبت في مرادها الأجساد".
تعبت كثيرا يابن شداد، صرفت نظرك عن ألمانيا ولندن وقلت صنعاء، وقد بلغت مشارفها مطمئنا إلى رجال خلفك وشعب حملت حلمه وعاهدك على أن يحملك حلما لا يضعه عن كتفه حتى يضع جنبه على تراب صنعاء. إن علمتهم اليوم كيف ينالون الشهادة فلطالما علمتهم كيف ينالون النصر، وأن طلب الشهادة هو طريق النصر، وهاهم ينالونها وينالونه كل يوم وفي طريقهم إلى النصر الأكبر.
علمتهم "إن تنصروا الله ينصركم"، وهل ينصر الإنسان الله إلا بنصر الدين والحق والأوطان!؟ وهل ينصر الإنسان الله إلا بنصر المظلومين الذين قاتلهم المجرمون المأجورون لقوى الشر الظالمون المعتدون بغير حق ونهبوا أموالهم وشردوهم من بيوتهم وأخرجوهم من ديارهم وألغوا حقوقهم التي فرضها الله لهم يوم خلقهم وصادروا حرياتهم وقرارهم!؟
لم تكن لتختار الشهادة إلا وقد ضمنت النصر فتفوز بهما، وقد فزت، والرجال من ورائك يكملون الحلم وينتزعون النصر، ولا شيء غير النصر.
علمتهم أن المشيئة الكبرى خالصة لله، والله هو من يشاء ويختار، ودونها أن الله يشاء ويختار ولا يختار لك إلا ما اخترته أنت، وقد اخترت الشهادة فاختارها لك، وهؤلاء هم وراءك على السفح وقد اختاروا صنعاء فاختارها الله لهم.. بهذا الوجه أو بهذا، وبهذه اليد أو بهذه، من حرف سفيان أو من طريق خولان، كل الطرق إلى صنعا تؤدي، وعدا عليه يابن شداد، وعدا عليه حقا..!!
* من صفحة الكاتب على فيس بك