بين الوهم والواقع
عند غياب المشاريع الوطنية ، تختفي المشاريع الاقتصادية ، وتتلاشى الرؤى التنويرية الثقافية واﻻجتماعية ، فتحل محلها المشاريع الشخصية الهزيلة ، لتبني أمجادا وهمية ﻻوجود لها في حياة الفرد والمجتمع ، فتنتهي المصالح من حياة الناس ؛ لتحل محلها شعارات كلنا فلان وكلنا علان ، وتشوه واجهات المباني بالخربشات المناطقية ، والشعارات السياسية التي ﻻتسمن وﻻ تغني من جوع .
في محافظة عدن وحدها يسبح الناس بحمد الأشخاص حتى يتم إنزالهم منزلة الذوات المقدسة أو الخارقة في أقل الأحوال ، فكل خير سببه فلان ، وكل مشكلة سببها فلان ، وهذا تشخيص ينم عن نظرة سطحية ؛ ﻻتنم عن عقل ، وﻻ وعي ، وﻻ فهم لطبيعة الأشياء ، وﻻ كيف تساس الأمور ؟ والأنكئ والأمر أن ترديد هذه الشعارات الجوفاء ﻻيقتصر على العوام من الناس ، أو فئة الغوغاء ، بل يرددها الكثير ؛ ممن ينتسبون للنخبة المثقفة ظلما وعدوانا .
أمتلأت شوارع عدن بشعارات ، كلنا هادي ، وكلنا عيدروس ، وكلنا شلال ، وكلنا أبي زعيط ، وكلنا أبي معيط ، وأنا ﻻ أقلل من دور أي شخص كبيرا كان أو صغير ا ، لكن الحقيقة التي يجب على قومنا أن يفهموها أن المكاسب ﻻتأتي بالتطبيل والتزمير للأصدقاء ، والنجاحات ﻻتجنى من حائط القدح والذم للأعداء ، لأن هذا تزييف للوعي ، ولي لأعناق الحقائق ، لذا يجب على المثقفين والمصلحين وكل من ينشد حياة حرة كريمة ؛ وقف مكينة التطبيل الكاذب ، والتلميع الزائف للأشخاص ، والبحث عن مشاريع ، فالتطبيل ﻻيبني دولة ، وﻻ يقيم نظاما .
غابت الشعارات البراقة في حضرموت ومارب ، وحل محلها استمرار الخدمات ، واستتباب الأمن ، وبناء المشاريع ، وانتظام صرف المرتبات ، وتجنيد الشباب للخدمة في معسكرات منظمة تعطي الشباب حقوقهم ، وتلزمهم بأداء واجبهم ، وقاموا بتزيين جوﻻت الطرقات بالورود ، والنوافير المائية ، بدﻻ من الأعلام ، ورسموا على واجهات المباني اللوحات الفنية الجميلة ، والجداريات المعبرة ، التي تبعث في النفس الطمئنينة ، وتدعو للمحبة والسلام ، بدﻻ من شعارات الموت والتحريض على إشعال الحرائق .
زر مارب أو حضرموت ، فلن تجد شعارات كلنا سلطان العرادة ، وﻻ كلنا بن بريك ، لأن القوم عرفوا الغاية من الأشخاص ، وعرفوا ماهي السياسة ؟ وماهي الوظيفة الحكومية ؟ وماهي المسؤولية ؟.
عانت محافظة حضرموت من انقطاعات الكهرباء ، وعانت محافظة مارب من عدم وجود كهرباء أصلا في أكثر مديريات المحافظة ، فنظرت قيادة المحافظتين للمشكلة كماهي، دون تسيس ، أو تحريف ، أو تكييف ، فبدأوا من حيث أنتهت المشكلة ، وقاموا بوضع الحلول ؛ من خلال البحث عن التمويل ، والبناء فوق ماهو موجود ، ولم تتحجج السلطة بفلان وﻻ بعلان ، ولم يخرج الشعب زرافاتا ووحدانا ؛ كلنا بن بريك ، وﻻ كلنا سلطان ، بينما في عدن تركت المرافق للعبث والنهب والفساد ، وذهبنا جميعا سلطة ومواطن للبحث عن الأعذار ؛ بدﻻ من البحث عن الحلول ، وتركت السلطة المواطن فريسة للاوهام بعد أن استطاعت أقناع الناس أن أحمد العيسي هو سبب أزمة المشتقات النفطية ، وسبب انقطاع الكهرباء ، وسبب مشاكل شركة النفط ، وسبب مشاكل المصافي ، حتى تولد شعورا عند المواطن أن أحمد العيسي وراء غلاء أسعار البطاط والطماط ، وهربنا جميعا من مواجهة المشكلة بسبب عقدت الأشخاص التي نعاني منها ، فعقلنا الظاهر والباطن يملي علينا أن وراء كل مصلحة شخص ، ووراء كل مفسدة شخص ، ونسينا أن لكل مشكلة أسباب ولكل مشكلة حل .
لذا يجب علينا جميعا سلطة ومواطن أن نصنع حلا منطقيا ونأخذ أظلاع المثلث - السلطة ، والمواطن ، والعيسي - ظلعا ضلعا
أوﻻ السلطة : يجب تخييرها بين شيئين ، أما إن يقبلوا السلطة كمسؤولية إدارية وعسكرية فقط ؛ لها مهامها ، ومسؤولياتها المحددة وفقا للوائح المنظمة والملزمة لشغل الوظائف السيادية في الدولة ، لأن السلطة في مفهومها البسيط هي رعاية مصالح الناس ، والحفاظ عليها وفي ضوء هذا المفهوم يجب على المسؤول الإداري أو العسكري إﻻنشغال بمهامه الإدارية أو الأمنية فقط ، ولايحول من نفسه زعيما سياسيا على طريقة حكام اليسار حين كانوا يتخذون من السلطة سلما لتحقيق مكاسب سياسية لخدمة الفكرة التي يؤمنون بها ؛ فيخلطون بين الوظيفة الإدارية والسياسية والعسكرية ؛ ويجمعونها في ذات بشرية مقدسة ﻻيجب الاقتراب منها بنقد ، أو نصيحة لأن هذا الصفحة طويت برحيل فيدل كاسترو أخر حاكم يساري في العصر الحديث .
ثانيا المواطن : يجب علينا كمواطنيين أن نحافظ على صفة مواطن ، لأن هذه الصفة لها مكانتها في العالم المتقدم ، فأنت مواطن في بلد؛ أنت حاكم ، أنت مواطن ؛ فأنت سلطة ، أنت مواطن ؛ فأنت مؤسسة رقابية تتابع كل صغيرة وكبيرة تمس حياتك اليومية ويجب أن تتعامل مع السلطة من أعلى هرمها حتى أدناه كمؤسسة تستمد منك شرعيتها وسلطتها، فمن التفريط أن نستبدل صفة مواطنيين بصفة رعايا ، أو نحول ذواتنا الأدمية إلى ذوات حيوانية ، حين نجعل من أنفسنا ببغوات تردد ماتسمع ، فالمواطن له حقوق يجب على الدولة منحها إياه دون من أو أذى ، وهذا واجب عليها وليس منه تمنها عليه ، والمواطن عليه حقوق يجب عليه أداؤها ، وليس كما يفعل الكثير من الناس يطالبون بخدمات الكهرباء وﻻ يدفعون قيمة اﻻستهلاك ، ويطالبون بخدمات المياة وﻻ يدفعون قيمة إستهلاكها ، ويطالبون ببناء المرافق والمؤسسات ويقومون بتخريبها بإيديهم، أو اﻻستيلاء عليها بالقوة ، فكل شيئ عند الله - وهو مالك الكون - بحساب ، فالله ﻻتنفعه طاعتك وﻻتضره معصيتك ، ولكنه جعل مبدأ الثواب والعقاب في الأرض والسماء وبدون تطبيق هذا المبدأ على المستوى الشخصي والرسمي فالبديل هي الفوضى .
ثالثا : أحمد العيسي : الكل يردد العيسي سبب انقطاع الكهرباء ، العيسي سبب افتعال الأزمات ، العيسي سبب الفساد ، والعيسي والعيسي . ويقف الحال بنا وبالسلطة عند ترديد هذه المقولة ، وتتولى الأقلام الموالية للسلطة النفخ في هذا البالون ، وترسيخ أعمدة هذه الشماعة ، لذا يجب علينا البحث عن حل هذه المعضلة ، والبت فيها وحلها نهائيا حتى ننطلق إلى فضاءات الحلول ، وﻻنظل في مستنقعات الاتهمات واﻻتهمات المضادة التي ﻻيستفيد منها إﻻ مستثمروا الحرائق من خلال النظر بتجرد وإنصاف ما للسلطة وماعليها ، وماللمواطن وماعليه ، وما للعيسي وماعلية ، من خلال فك طلاسم هذه الشفرة التي لن نستطيع فك طلاسمها إﻻ من خلال الأتي :
1- العيسي تاجر وليس مسؤول في السلطة ، لذا فشراكتي كمواطن مع السلطة وليس مع الجهات المتعاملة معها ، فسهامي كمواطن أوجهها للسلطة وﻻينبغي عليها أن تضيق ذرعا بنقدي لها طالما وهي لم تحل المشكلة .
2- ﻻشك أن شركة العيسي واحد من عشرات الشركات العاملة في عدن ، وبديهي جدا أن يكون هناك عقدا بين هذه الشركة كطرف والسلطة المحلية أو أحدى المؤسسات التابعة لها كطرف ثان ، يلزم هذا العقد الدولة والشركة المتعاقدة معها بما لهما وما عليمها ، ويحفظ العقد حقوق طرفية المادية أو المعنوية سوى بين الدولة والدولة ، أو الدولة والشركة ، أو التاجر والمقاول ، أو حتى بين المواطن والمواطن ، و يتم بطريقة سلسلة ومنظمة ﻻتحتاج إلى ضجيج ، وﻻ إلى إعلام وﻻ إتهام ، فإذا كان العيسي أخل بالاتفاق مع شركة النفط لماذا ﻻتلغي اﻻتفاقية وتقوم بانزال مناقصة جديدة وبطريقة علنية وشفافة ؟؟؟ وفي المقابل حتى ﻻنبخس العيسي حقه إذا كان بحسب ما جاء في بيان شركة عرب جلف أن مبلغ المديونية للشركة وصل إلى 30 مليار ريال يمني ، فمن حق العيسي أن يطالب الدولة بسداد الديون ، بل وعليه رفع قضية ضد مؤسسة شركة النفط بالتعويض لما لحق به من ضرر التشهير والمماطلة .
3- إذا كانت السلطة المحلية صادقة في دعواها ضد ماتتهم به العيسي لماذا لم تتخذ الإجراءات القانونية بفسخ العقد طالما والرجل أخل بالاتفاق ولها الحق في ذلك .
4- وصول مديونية مؤسسة حكومة لتاجر إلى (خانات المليارات ) فساد بحد ذاته ؛ فالشركة ﻻتوزع النفط على المواطنيين مجانا بل تبيعه بزيادة 700ريال في كل دبة عن التسعيره الرسمية فأين تذهب هذا الأموال ؟.
5- اليوم الذي ينفذ فيها مخزون الكهرباء من النفط تغرق عدن بصورة رسمية في الظلام مع إنذارات الصراخ والعويل التي تسبق يوم إغراق المدينة في الظلام ، وهي أيام معلومة في حياتنا وهي التي وصلت فيها ساعات اﻻطفاء 9 ساعات مقابل ساعة ، بينما لم تعلن مؤسسة الكهرباء وﻻ إدرة شركة النفط السابقة أيام عبدالسلام ، ولم تولول في الإعلام عن ساعة انقطاع الكهرباء بنظام 4ساعة طافي مقابل 2 ﻻصي . في حين أن الكمية المصروفة من شركة النفط للكهرباء ثابتة ، فأين يذهب فارغ 16 ساعة من الوقود كل 24ساعة .
في الأخير ﻻأبرئ أحدا ؛ وﻻ اتهمه ، ولكنا ﻻنريد صراخا إعلاميا ، وﻻتوظيفا سياسيا لمعاناة الناس ، وﻻ نريد بناء أمبراطوريات للفساد على حساب شعب يتضور جوعا ، نريد معالجة تنظر إلى الواقع كما هو ، وتضع الحلول العملية بدﻻ من الإتهامات المتبادلة ، والدعاية والدعاية المضادة ولنا في محافظتي حضرموت ومارب أسوة وعبرة
سعيد النخعي
عدن 8/ ديسمبر / 2016م