تتزاحم الكلمات في لساني فلاتترك الكلمة للأخرى مجاﻻ للخروج ، والعبرات في حلقي ، وانحبست بين الحنايا والضلوع ، تبكي مجدا ، وأمة فقدت كل شيئ حتى الكرامة .
سقط العالم أخلاقيا ، وسقطت المدنية ... و هوت حضارة الشرق والغرب في دركات الانحطاط ، وتوارت من الوجود أنشودة الغرب الجميلة ( حقوق الإنسان ) التي فتنا بها زمنا طويلا .
لك الله ياحلب ، لك الله يا درة المدائن ، لك الله أيتها الكرامة ؛ المراغ أنفك في التراب تحت أقدام المجوس .
انهمرت العيون بالدموع وحق لها أن تنهمر ، تبكي الأشلاء الممزقة ، والأجساد المتفحمة ، والأطلال المدمرة ، والطفولة المشردة ، والنساء المهجرة، في مشهد يعصر القلب حسرة وأسى .
سقطت القانون الدولي من على ارتفاع شاهق يلامس أجنحة الطائرات الروسية ؛ التي توزع الموت في أرجاء المدينة المسالمة ، و نزع العالم القناع عن وجهه القبيح ، وخرج في صورته وهيئته الحقيقة ، وجه المصالح والمنافع ، وهيئة المطامع والنفوذ ، دفاعا عن أنظمة صنعها منذ زمن بعيد، وأوكل إليها حراسة مصالحه ، فلما أصابها الوهن ؛ ولم تعد قادرة على القيام بهذه المهمة قام بها بنفسه .
تهاوت بيوت الحلبيين على روؤس أهلها ، وتساقطت أحجار المآذن التي كانت تعلو منها صيحات الله أكبر الله أكبر ؛ وسقط معها الضمير أخر حصون الإنسانية وقلاعها المنيعة ، وسقط القانون الدولي، و معه محكمة ﻻهي لجرائم الحرب ، وسقطت الأمم المتحدة ، وانعقد لسانها إﻻ من بيان هزيل يدعو السكان المدنيين إلى مغادرة بيوتهم .
فلسان حال الأمم المتحدة يقول : العالم ﻻيعترف إﻻ بالأوزان الثقيلة ، و مجلس الأمن الدولي نقل - رسميا - قوانين لعبة مصارعة الثيران القذرة التي ﻻتنتهي إﻻ بموت أحد المتصارعين الثور أو الخصم من حلبات مصارعة الثيران إلى قانون تدار به صراعات المنطقة العربية ، وتحل به نزاعاتها .
سكتتالأمم المتحدة ، و المحكمة الدولية ، وصمت معها الإعلام الدولي عن جرائم النظام السوري وحلفائه وأذنابة ، حتى يخيل إليك حيال هذا الصمت أن ماتشاهدة من آبادة أنها مشاهد تمثيلية وليست حقيقة ، عندما تقارن تعاطي هذه المنظمات والمؤسسات الدولية ، ، والإعلام الدولي مع جرائم ارتكبت في عصور غابرة ﻻتزال ملفاتها مفتوحة لليوم كآبادة الأرمن أو محرقة الهولوكست، .
فيتبين لك أن الأمور بأسبابها ، والمشاريع بأهدافها ، والأحداث بمآﻻتها ، فعصبة الأمم التي أنشأها الحلفاء عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية منظمة صنعها المنتصر لحماية مصالحه ، وفرضتها قوى النفوذ الدولية ، ونفخ فيها الإعلام الدولي روح الأممية ، وإن المحكمة الدولية مؤسسة قانونية لها وظيفتان : الأولى فض النزاعات بين دول النفوذ وحمايتها من الإنتهاكات الجسيمة بصورة قانونية ، والأخرى مؤسسة تهديد وابتزاز لدول المنظوية تحت رأيتها من خارج دول النفوذ الدولي ، فتجعل من النزاعات والحروب فيها سيفا مسلطا على رقابها ، وورقة ابتزاز تبتزها بها كلما دعت الضرورة إلى ذلك، وأكبر دليل على ذلك الصراع العربي الإسرائيلي في فلسطين ، وقضية إبادة الأرمن التي تبتز بها الدول العظمى الأتراك كلما دعت الحاجة إلى ذلك .
سعيد النخعي
عدن 14/ ديسمبر /2016م