_ ســام الغُــباري
- تعرضت لهجمة تخوين شرسة – مرة أخرى – بسبب تعليق على هزيمة "حلب " ، قلت فيه أن الربيع هُـزم ! ، لقد قالها "جمال خاشقجي" وغيره كثيرين ، لكنها عبارة قاسية حين تظهر من كاتب سابق بصحيفة "اليمن اليوم" .. غير أني مضطر لتأكيد الحقائق العشر التالية مجدداً :
1- يُمثل التجمع اليمني للإصلاح في يقيني الشخصي تياراً سياسياً رائداً ، وجمهورياً حتى النخاع ، إلا أن ذلك لا يعني أن أنتمي إليه أو أقبل بالعديد من أفعاله وممارساته السياسية ، فلي رأيي الشخصي الذي أدونه بحرية ولا أقبل أي إرهاب ممن يُحسبون على هذا الحزب بقصد تشويه قناعاتي واستمرار التنكيل بي معنوياً ، فما زلت أستغرب تمسك التجمع اليمني للإصلاح وإصراره على تبني الفعل الثوري الشائن الذي حدث في اليمن بالعام 2011م ، وما تلاه من إعتداء إرهابي غادر على الرئيس السابق ومختلف رموز الدولة في جامع النهدين ، وقد تبينت جلياً أن تجمع الإصلاح بعيدٌ عن تلك الجريمة النكراء ، التي كانت سبباً محورياً في تحالف "صالح - الحوثي" الوثيق واجتياحهم بعد ذلك بثلاثة أعوام للعاصمة صنعاء .
2- هذه الملاحظات الجوهرية أعلنها غير مرة في كثير من نقاشاتي الشخصية مع قيادات الحزب الذين جمعتني بهم مرارة الغربة ، والتهجير القسري لرفضي العلني إنقلاب "صالح - الحوثي" على الدولة ، وخيانتهم للدستور والقانون ، مثلما رفضت علناً إنقلاب تجمع الإصلاح وأحزاب اللقاء المشترك ، الثوري على الدولة والنظام في 2011م ، فمن يذكر أن ساحة الربيع العربي احتوت جناحين أساسيين هما "الإصلاح وحلفائه ، والحوثيين وأنصارهم " ، يعرف أن ذلك أمر لا ينكره أحد ، وما يزال موقع اليوتيوب ممتلئاً بالكثير من تصريحات القيادات السياسية المعارضة لسلطة "صالح" التي تكيل المديح للحوثيين ، وما تلاها من عملية إغواء بارعة جعلت حكومة "باسندوة" تقدم الإعتذار المؤسف لجماعة الحوثيين عن الحروب الست وتعتبره عملاً أخلاقياً مشيناً لا يجوز تكراره ! .
3- أنا لا أتحدث عن وهم ، وخيالات مريضة ، بل عن وقائع حدثت وسببت كل هذا الدمار – بحسن نية ، أو بجهل سياسي فاضح - ، وعدم وعي ومعرفة مخجلة من كل أولئك الذين يتشدقون اليوم بالشرعية الدستورية ، وما تزال ذاكرة هاتفي ممتلئة بصور مسيراتهم التي أعلنت الفعل الثوري لإسقاط النظام ، وهو الفعل عينه الذي حققه الحوثيون – الطرف الاساسي لإحتجاجات 2011م – بنجاح في 2014م ، بمشاركة مقززة من حليفهم الجديد "علي عبدالله صالح" ، أليس هذا ما حدث ؟ ، أم أنني أختلق أحداثاً من العدم ؟
4- خلافنا الرئيسي مع "صالح" أنه إستخدم "كيانه الموازي والعميق" داخل الدولة لإسقاط الرئيس الشرعي "عبدربه منصور هادي" ، والإنضمام لتكتل الحوثيين الثوري ، وتخليه عن كل الشعارات البراقة التي نادت بضرورة الإحتكام للصندوق الإنتخابي والحوار كمنهج لا حياد عنه ، ذلك الحوار الذي مُنح فيه الحوثيين 30 مقعداً ، وسُلمت لهم "صعدة" كحق حصري وملكية إدارية وإقطاعية ، إنطلقوا منها إلى الجوف لإسقاطها ، فيما كان اللقاء المشترك بمن فيه يتعانقون مع الحوثيين بفندق "موفنبيك" على وقع اشلاء دماء ابناء الجوف المساكين .. ومثلما أخطأ حزب التجمع اليمني للإصلاح وحلفائه السياسيين في 2011م بمشاركة جماعة دينية مسلحة في هز عرش النظام مستغلين مساحة الغضب العربي المتسع ، فقد شارك "صالح" بحقد أوسع في تكرار ذلك الخطأ الذي تحول إلى كارثة دموية مرعبة بعد قبوله بمبدأ التعاون مع تلك الجماعة الإرهابية التي يُطلق عليها مصطلح "أنصار الله" الحوثيين.
5- في خضم الصراع ، كان العويل حاضراً فقط ، الغضب يتدفق إلى صفحات "فيس بوك" وتويتر ، لإدانة توسع الحوثيين الذي وصل إلى صنعاء وأسقط النظام وأرغم "هادي" على الإستقالة ، في تلك اللحظة ، لم يرفع أحدٌ السلاح بل ذهب الإصلاح والسياسيين إلى فندق "موفنبيك" لإختيار بديل عن الرئيس هادي الذي ظل في منزله محاصراً دون أن يجرؤ أحدٌ على كسر حصاره في إسقاط أكثر بلاغة وعمقاً للمروءة والرجولة والشرف القبلي ، ولولا عملية تهريبه المعقدة خارج حدود العاصمة وصولاً إلى عدن لفقد الجميع شرعية النظام الذي نستتر خلفه ونقاتل تحت رايته جميعاً ، نحن الذين نرفض الإنقلاب على الدولة وإسقاط النظام ، وقد كنت أحسب أن ذلك الموقف العظيم من تجمع الإصلاح إعتذاراً صامتاً عن مشاركته في الإنقلاب الثوري على الرئيس السابق ، غير أن ما يحدث أن الإصلاح يريد تمرير ربيعه الخاص عبر شرعية الرئيس هادي فقط .. الربيع الذي يُراد لنا أن نعترف به ونقاتل لأجله ، وما آمنا وصدّقنا وقاتلنا وشُردنا وأُخرجنا من ديارنا إلا لرفضنا الصادق الإنقلاب على الدولة والنظام المنتخب دستورياً بغض النظر عن إسم وشكل وهيئة ومنطقة الرئيس منذ العام 2011 إلى الإنقلاب الأكبر في 2014م ، ذلك يعني أن كل القوى السياسية التي آزرت فوضى الساحات الثورية إلتحقت بي وبكل من قاوم الربيع منذ بداياته المجنونة ، وقد أدركت تلك القوى أنها قتلت جوهرها السياسي السلمي ، وأهدت الجماعات المسلحة فرصة التموضع السياسي والتحول إلى كيان فوضوي عميق وخطير يهدم الدولة من الداخل .
6- لقد دعوت ألف مرة لإستعادة التعددية السياسية عبر إصطفاف سياسي واسع لا يستثني أحداً من الأحزاب الوطنية المعترف بها قانوناً ، وإجراء مصالحة عظيمة تعود بالجميع إلى نقطة ما قبل الربيع العربي ، تُقدّم فيها الإعتذارات الشجاعة عن كل ما لحق باليمن من أذى ، تليها إستقالات جماعية من العمل السياسي إلى الأبد من كل أولئك الذين شاركوا في إنقلابي 2011 و2014م ، وتحديد هوية العدو الواضح المتمثل في كل من يحمل السلاح من الجماعات الدينية أو الأفراد أو القبائل ، وحصر القوة في يد الدولة الضامنة لإقامة مشروع اليمن الإتحادي الجديد الذي تآلف عليه اليمنيين في مؤتمر الحوار الوطني الموسع .
7- لقد قام النظام السياسي لدولة الوحدة اليمنية على التعددية السياسية ، وكل ما حدث من كيد سياسي عنيف بغية الوصول إلى السلطة عبر الشارع كان سبباً في بروز التحالفات المتهورة التي أفقدت الأحزاب هويتها الحقيقية وجعلها تفقد أهم خواصها وهي العمل من أجل خدمة اليمنيين ، لا من أجل السلطة فقط .
8- لم أخالف قناعاتي الشخصية الثابتة منذ اليوم الأول لإحتجاجات 2011م ، ولم أزل عليها ، ولم أجاهر بخلافها ، ولم أخدع أحدً ، فالشرعية الدستورية للرئيس "هادي" كانت قبل 21 فبراير 2012م شرعية دستورية للرئيس "علي عبدالله صالح" ، وإنقلابه على الدولة بعد ذلك يذمه هو ولا يذمني ، يخصه هو ولا يخصني ، فمن إلتحق بشرعية "هادي" بعد شعوره بالهزيمة ، ليس أنا ، ولم أكن يوماً من دعاة الإستقواء بالشارع لنيل مطالب سياسية وسلطوية . وفي قناعتي الشخصية أيضاً أن إنقلاب 2011م شكل فرصة ذهبية للطامعين في الحكم بالوصول إلى أحلامهم ، وهم يشاهدون تساقط الجمهوريات الشمولية ، غير أن الوضع في اليمن كان غريباً ، فلدينا دستور ينص على إنتخابات مبكرة ، وتحديد دورتين إنتخابيتين للرئيس – رغم كارثة التهديد بالتلاعب بالدستور – التي أفضت إلى الإحتجاجات ، ذلك أمر لا ننكره ، غير أن العقل اليمني أنتج في الأخير مبادرة الخليج العربي التي إعتبرها البعض خلاصاً نهائياً من إرث "صالح" معتقداً أنه صار لقمة سائغة يمكن إبتلاعه ، وكان التلاعب الخطير ببنود المبادرة من قبل الطرفين كارثة إستفاد منها الحوثيين والجماعات الإرهابية الأخرى في هدم كيان الدولة ،والبحث عن منفذ مريح للوثوب إلى كرسي السلطة من فتحة التمزق السياسي والصراع العبثي بين قوى النفوذ المختلفة ، وقد أدرك الرئيس "هادي" ذلك الأمر مبكراً ، وسعى في جامع الصالح إلى مصالحة بين "علي محسن وعلي عبدالله صالح" ، وقد بادر الفريق محسن بذلك المشهد الشهير الذي ظهر وهو يمد يده بإتجاه رفيقه القديم ، إلا أنه تجاهله وابتعد عن مصافحته ، وكان ذلك يوم سعد الحوثيين ، فقد تمكنوا من قلب الرجل وعقله ، وزرعوا بداخلهما كل حقد ممكن تجاه من سعى إلى إنتزاع السلطة عنه ، وتحديداً حزب التجمع اليمني للإصلاح .
9- سقوط حلب كان ينبغي أن يكون درساً حياً للقوى اليمنية المتآلفة في صف الشرعية الدستورية بضرورة التكاتف والتلاحم ، والسعي لتفكيك التحالفات المشوّهة بين قوى الإنقلاب في الداخل ، إلا أن إصرار الناشطين المحسوبين على تجمع الإصلاح تحديداً بالنيل من كل خصومهم السياسيين الذين يشاركونهم الهم الوطني أمر مؤسف ، ومخيف أيضاً ، فمشروع الإستحواذ بالتمني ، قبل صيد الدب المعربد في الشوارع فكرة حمقاء تطيل عمر الوحش فقط ، ولا تحقق أي نصر يذكر في حماية الناس وإعادة الإستقرار والدولة .
10- أتفهم جيداً ما يتعرض له الإصلاحيين من تنكيل وتخويف وإرهاب من الإنقلابيين الخبثاء في صنعاء ، وهو مادفعهم إلى التمسك بالسلاح في مواجهة القوة الغاشمة المغرورة ، ذلك أمر مقدس في قلبي ، غير أني لا أحب الربيع الذي لا يزهر ، الحمل الكاذب ، والوهم ، واصطناع البطولات في العالم الإفتراضي ليست مهمتي ، الرياء والخداع وذرف دموع التماسيح تملق لا أجيده ، أنا خصم سياسي أنتمي إلى المؤتمر الشعبي العام ، ولست عدواً لأحد سوى الجماعات الدينية المسلحة وعلى رأسها "الحوثي وداعش" ، والخصم دائماً صديق شريف ، والعدو قاتل أثيم .. فابحثوا عن عدوكم وعدوّنا ، وأتركوني وما أعبُد ، فلكم دينكم ولي دين .
.. وإلى لقاء يتجدد
· كاتب وصحافي يمني
..