بقلم / رفيقة الكهالي
نعم للسكان في خطوط النار، لاتستغربوا، فلم نكن نتوقع أيضاً أن نجد سكاناً في مناطق التماس المباشر الأشد سخونة بين الميليشيات الإنقلابية المعتدية ، وقوات الجيش الوطني .
ولكن هذا ما لمسناه أثناء نزولنا الميداني والرصد لبعض المناطق المشتعلة بالمواجهات ، ومنها منطقة حبيل الظبي وهي تبة مواجهة لمعسكر التشريفات وقصر الشعب بالجبهة الشرقية ، ، ومنطقة كلابة والصفا وشعب كريمة وكنب الروس والأربعين ، بالجبهة الشمالية الشرقية ، وهذه كلها مناطق خطوط نار ، وجدنا الكثير من الأسر مازالت قابعة في بيوتها لم تنزح ، بالرغم من الآف القذائف والصواريخ ورصاصات القناصة التي تتساقط على رؤوسها ليلاً ونهاراً ، ...
وضع الحرب كارثي على كل تعز ، وهذه المناطق الكارثة فيها مضاعفة ، والمأساة أنكى وأشد ،، والإحتياج أعظم وأعجل ...
مناطق موحشة تنعق فيها الغربان ، السكان في الأدوار السفلية ، وعلى وجوههم الشاحبة تظهر آثار التعب والهم والمعاناة التي لا توصف ..
منطقة حبيل الظبي وما جاورها يضطرون لتغطية المسافات بين العمارات المهدمة بالطرابيل والسواتر القماشية علها تسترهم عن أعين القناصة المنتشرة في تباب السلال والجعشة ،
أما كلابة وكنب الروس والصفا وشعب كريمة وغيرها، فمناطق مكشوفة للميليشيات بالكامل ، تقع في السهل وتعتليها تباب الحرير وسوفتيل، بما عليها من كلاب مسعورة متعطشة لدماء الأبرياء ، فكل ما يتحرك من بشر أو آلة هو هدف سهل للقناصة ، والخط الدائري الإسفلتي الوحيد يقع تحت رحمة نيرانهم المباشرة .
شاهدنا الموت اليوم ، ونحن نحاول في منظمة دعم الإنسانية إيصال الغوث المائي للأهالي بكلابة ، رصاصات القناص سقطت بجوارنا ، ولم تسمح " لوايت" الماء بالعبور ، الوايت ضرب عليه أربع مرات ، ونجا ونجونا معه بأعجوبة ، ،،
عاد الوايت من حيث أتى ، بالماء مرتحلاً . وسط غصة وحرقة داخل صدورنا ، تضاعفت ونحن نرى نظرات الحسرة والقهر بعيون النساء والأطفال حولنا ، .
مأساة المأساة ، ليس فقط سقيا الماء الذي لم يصل، تلقينا شكاوي السكان هناك ، بالإهمال الشديد والتجاهل لمعاناتهم وإحتياحاتهم من الحكومة، ومن المنظمات الدولية كاليونسيف، وغيرها، بالإضافة الي الفتات الذي لا يذكر من المنظمات والجمعيات المحلية العاملة ،
يعانون الأمرين للحصول على شربة ماء ، إحدى الأمهات حكت لنا عن مقدار الفرحة بزخات المطر التي نزلت قبل فترة، لتقول إن الله إستجاب لدعائها بعد أن إستنفدت كل ما لديها من ماء ، وأن خزانات السبيل بجوارها فارغة منذ شهور طويلة ،،
لقد شاهدنا حجم الدمار الذي لحق بالبيوت والعمارات والمساجد ، وزرنا إحدى البيوت التي سقطت عليها قذيفة قبل ثلاث أيام ، لم يصب أحد بالبيت ، ولكن الأضرار بحوش البيت و النوافذ والقمريات ، زاد من جحيم هذه البيت التي تقطنها ثلاث أسر ، فبالإضافة الي الهجمات اليومية للميليشيات ، هناك هجمات أخرى للبعوض والحشرات والأفاعي،
لا حركة ولا حياة في الخط الإسفلتي الإ من " فدائيين " يتحركون بمركباتهم بسرعة جنونية لمغالطة ومسابقة رصاصات القناص المجاورة .
لم أتألم مثلما تألمت من منظر إمرأة تمشي وسط الشارع غير مبالية برصاص القناص ، وكأنها ترسل له رسالة بأنه لم يعد لديها فرق بين الحياة والموت ، بل ربما قد يكون الموت أكثر راحة لها ، لم لا وهو من سيخلصها من العذاب اليومي وهي تتحرك لإيصال أبنتها لشارع الروضة لتركب من هناك لجامعتها ، قالت بإنها تخشي أن تقتل القذائف والقنص ابنتها لوحدها، وأنها تفضل مرافقتها للشارع العام ثم تعود مرة أخرى بعد الظهر لمرافقة البنت من الشارع الي البيت ، بالرغم من طول المسافة وإنعدام المواصلات وفي لوحة صمود ، عنوانها " لا مبالاة بالموت ، وإصرار عجيب لمواصلة الحياة بكل تفاصيلها " ...
حقيقة مأساة هؤلاء السكان لن أستطيع مهما وصفت أن أعبر عنها ، ولكني أرجو أن أكون في أقل تقدير قد سلطت الضوء عليها ... وسنجد بالتأكيد من سيسعى ليخفف من معاناة جرائم الحرب التي ترتكبها ميليشيات المخلوع صالح والحوثيون ، بحق هؤلاء ،
والتي تحاول جاهدة إبادتهم تارة بالقذائف وتارة بالحصار والمنع لمقومات الحياة الأساسية من الغذاء والماء والتعليم والتنقل ..
أخيراً ، نذكر الجميع بأنناعلى أتم الإستعداد للتنسيق مع الأهالي في مناطق خط النار ، لإيصال كل ما نقدر عليه ،، ونحتاج فقط نظرة جادة من الحكومة ومن المنظمات والجمعيات وفاعلي الخير . ..
كما نذكر بأهمية أن يكون هناك دور للمقاومة والجيش في توفير سبل الحماية لطرق الإغاثة، . وإيجاد آليات معينة لمساعدة المدنيين في هذا الملف ، فينبغي أن لا يقتصر الدور فقط على الدفاع والمحافظة على المناطق المحررة ، وانما لابد من التركيز عليإايجاد اليات لضمان إيصال المساعدات والدعم الضروري الي المناطق الأشد تضرراً ، وهو الأمر الي سيشجع العاملين في الإغاثة للتحرك للتخفيف من المأساة الإنسانية المضاعفة للقاطنين في خطوط النار المنسية..
...
#