الطارئون

2016/12/23 الساعة 12:00 صباحاً

 

📝 صالح الحكمي

  عندما تكتشف أن الأغلبية من الوجوه السياسية والإعلامية والنشطاء (الطارئون على القضية) الذين طفوا على السطح بعد أحداث 2011م تتعامل مع قضية اليمن الراهنة وأحداثها والمسببات والمآلات التي أوصلت اليمن إلى وضعه المأساوي الراهن، وتحصرها في دائرة ضيقة جداً عنوانها (المخلوع صالح ومشروعه الإنتقامي) ستصاب بخيبة أمل وانتكاسة، وستتلبسك المخاوف على مستقبل الوطن السليب، والنظام الجمهوري وبقية الثوابت، ويحق لك فأنت أمام وجوه لا تستطيع النظر أبعد من أنفها ولا تفقه شيئاً عن تاريخ اليمن ولا تحولاته حتى على المدى القريب، وكل ما تعرفه يقتصر في معلومات معلبة تم انتاجها لتتناسب مع أحداث 2011م  -لا أكثر- ، وأي كارثة أكبر علينا اليوم من اختزال أزمات اليمن وتقزيمها في شخص يعتبر طارئ من الطوارئ ورقماً لا يُذكر أمام تاريخ بلد صراعاته مترابطة ومتسلسلة لأكثر من اثني عشر قرنا من الزمان؟!

ولو أن ثوار وأحرار اليمن في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي كانوا يحملون نفس فكر هؤلاء (الطارئين الجدد) واختزلوا قضيتهم في شخوص أئمة بيت حميد الدين وخلافاتهم الشخصية معهم، لما استطاعوا الحفاظ على النظام الجمهوري بعد ثورة سبتمبر الخالدة سنة واحدة. لكنهم كانوا على معرفة تامة بأدبيات الصراع وأيدلوجياته، ومرتكزاته، وتاريخه، ومنطلقاته، ومداخله ومخارجه، ولذلك استطاعوا تثبيت دعائم البيت الجمهوري وساهموا في بنائه لبنة لبنة، ولم يسقط وينهار إلا بعد ظهور بعض الوجوه الجديدة التي لم تكن ترى خطرا على اليمن إلا صالح فقط والموالون له! في حين أن العدو الحقيقي -الذي قللوا من شأنه وتغافلوا عنه وتعاملوا معه كشريك - كان يهد مداميك الجمهورية وينقض على مؤسساته العسكرية والحكومية تحت نظرهم، بل ساعده بعضهم ظناً منه أنه ينتقم من صالح، ليتفاجأوا بسقوط البيت على ساكنيه دون استثناء.

ولو كانت عقليات الثوار الأحرار كالزبيري واللقية والثلايا وعلي عبدالمغني والقردعي والسلال وبقية أحرار ثورات اليمن كعقليات (الطارئين)، لما قامت للجمهورية قائمة، ولربما قبلوا بالمناصب والإغراءات التي قدمت لهم، مقابل إيقاف تأجيج الشعب اليمني وتحريضه وبالإضافة إلى إيقاف تحركات وعملياتهم الثورية والنضالية، وما يدريك لربما -أيضاً- وقعوا اتفاقاً على غرار اتفاق السلم والشراكة! لكنهم كانوا مؤمنين بمشروعهم الوطني، ومتسلحين بتاريخهم وتاريخ جدودهم وأرضهم النضالي – الحافل بالمآسي والدماء والظلم والقهر والعبودية والتجهيل والتنكيل - الذين سامهم به الإماميون منذ أن وطئت قدم مؤسس الإمامة الأول يحيى ابن الحسين الرسي أرض اليمن عام 284هجرية-. بخلاف من أتحدث عنهم اليوم، الذين فتحوا أبواب صنعاء للعدو الإمامي ليشاركهم في إسقاط عدو افتراضي، ضحك عليهم به أصحاب المشاريع الخاصة والخلافات والمناكفات السياسية الطفولية، لينتهي بنا وبهم المطاف إلى ما نحن عليه اليوم، بعد أن انقض العدو الإمامي –الحقيقي- على كل شيء ولم يبقِ لنا لا أرضاً ولا دولة ولا مؤسسات!


كنت أظن أنه وبعد سقوط (الجمهورية الأولى) في سبتمبر المشؤوم عام 2014م سيراجع هؤلاء حساباتهم وسيلقون بالذواكر الإلكترونية التي تم تثبيتها في رؤوسهم، وتحمل معلومات معلبة ليعيدوا تقييم الأمور كما ينبغي، ويساهمون في إدارة الصراع الجديد وفق الأسس والمرجعيات والمتغيرات الصحيحة. غير أنهم لا زالوا في غيهم وازدادوا سطحية فوق سطحيتهم في تقييمهم لمعادلة وعوامل الصراع في اليمن -بشكل خاص- والمنطقة بشكل عام، مختزلينها فيما يسمى بثورات الربيع العربي والثورات المضادة. وكأن الإماميين الجدد بقيادة الدعي عبدالملك الحوثي ولَدَتهم ما يسمونها بالثورة المضادة ومشروعهم – الإماميون- لا يتجاوز عمره خمسة أعوام وليسوا سوى أداة يحركها المخلوع صالح. وأرجو ألا يفهم طرحي على أنه تحيز للمخلوع أو رثاء فيه بل إنني أنظر له على أن طارئ، صاحب مشروع انتقامي سينتهي بانتهائه بخلاف الإمامة، بالإضافة إلى أنه أصبح اليوم أداة يحركها الإماميون لتدمير ما تبقى من الوطن وعدو لا يقل خطورة عن الحوثيين هو وزبانيته.

كم يحز في نفسي ويؤلمني عندما أرى هذه الوجوه الجديدة، سواء في مجال السياسة أو الإعلام أو الناشطين والناشطات على شبكات وسائل التواصل الإجتماعية وبعض القيادات الميدانية، وهم يلوكون نفس الأسطوانة ويقزمون قضيتنا وصراعنا، ويصنفون المعركة على أنها معركة بين صالح من جهة، وبين الخارجين عليه في م2011 من جهة أخرى، ويُصرّون بغباء وجهل سياسي بحت على استبعاد الإماميين من معادلة الصراع، وليت شعري من يفهم هؤلاء أن صراعنا عمره 1200 عام مع الحوثيين وأسلافهم من طغاة الإمامة على مستوى اليمن، وأن صراع الأمة اليوم صراع عربي فارسي لا علاقة لمرسي ولا لأردوغان به وعمره أيضا أكثر من 1400 عاما. مع التأكيد على أن المشكلة الحقيقية هي محاولة بعض الطارئين التلاعب بالمفاهيم وعرقلة مساعي الكتاب والثائرين لإلهام الرأي العام بالحقائق وماهية الصراع الحضاري والتاريخي بين شعبنا العظيم والإمامة. وفي المقابل لا ننسى الدور الريادي والقيادي والتنويري لكثير من (الطارئين) في مختلف المجالات ولا ننكره، والتي أصبحت تدرك حقيقة الصراع وتتعامل معه كما -ينبغي- بل وتساهم بفاعلية في مواجهة المشروع الإمامي سياسياً وعسكرياً وإعلامياً بعد أن راجعوا حساباتهم ولا يهمنا مواقفهم السابقة بقدر ما يهمنا تصحيحهم للمفاهيم وبرامج الخطاب وآليات ومضامين المرحلة النضالية، ودورهم مشهود ومشكور، وكم أتمنى من البقية أن يحذوا حذوهم.

أخيرا حقيقة مرة سأقولها لله ثم الوطن هي صرخة مُحب وناصح ومُحذر، والله إن لم يُعدْ هؤلاء دراسةَ تاريخ صراعنا وقضيتنا ومعركتنا جيداً، ويسبرون أغوارها، ويفهمون أبجدياتها وأساسيات وجذور التعامل معها، فلن تقوم لجمهوريتنا قائمة، وسيكمل الإماميون مشروعهم وأعين الجميع ترى، وقد نرى العلج الفارسي قائد فيلق القدس (قاسم سليماني) يتجول في صنعاء كما يتجول اليوم في شوارع حلب بعد إبادة وتهجير أهلها -لا سمح الله-.

رئيس تحرير موقع صعدة أونلاين الإخباري