الأحزاب هي أرقي طريقة للعمل السياسي ، وهي وسيلة من وسائل إشباع حاجات الإنسان ، من خلال حرية التعبير ، واحترام رأي المخالف ، والمشاركة في صنع القرار ، كما تعد متنفسا فكريا وثقافيا يتيح للناس ممارسة إبداعاتهم .
شهدت عدن في خمسينيات القرن الماضي نماذجا للأحزاب السياسية ، والنقابات العمالية، والمنتديات الفكرية ، والمنابر الإعلامية وغيرها من المناشط السياسية والثقافية في حيز محدود من الحرية ، ومع ضيق الحيز الذي ظهرت فيه إلا أنها كانت تعد عملا جبارا قياسا بظروف تلك المرحلة .
قضت الثورة على كل أشكال العمل الحزبي ، والنقابي ، وصادرت حرية الفكر ، ومنعت حرية التعبير ، بعد أن أختزلت الفكر الإنساني في الفكر الماركسي ، وعممته في المجتمع ، واختارته طريقة للحكم ، فخلقت مرحلة مابعد الثورة حالة من الكبت السياسي والاقتصادي مما أدى إلى تراجع مهول في مختلف مناحي الحياة .
اصتدمت هذه الحاجات الفطرية بالكبت السياسي ؛ هذا الكبت الذي لم يسلم منه الحزب الحاكم ، الذي اهتزت جنباته من الداخل أكثر من مرة ، ناهيك عن القوى التي ذابت في باطن الأرض بعد أن كانت على ظاهرها هربا من بطشه وتنكيله .
فلابد أن تشبع هذه الحاجات في العلن ، من خلال بناء أسس متينة للحياة المدنية من خلال ظهور المؤسسات ، وتشجيع الأحزاب ، وتطوير عمل النقابات ، وحماية الإعلام كي يضطلع بدوره التنويري في المجتمع ، لأن البديل في حال تكررت الخيارات القديمة سيكون العودة إلى باطن الأرض مما يعني استمرار جذوة الصراع متقدة، و ستقضي الأجيال القادمة سنيين عمرها ضحية للشعارات ، ، والشحن العاطفي الذي ﻻيلبي حاجة ، وﻻيشبع رغبة ، سوى الإيغال في التية ، والغرق لجج الظلام .
معظم الشعوب المتقدمة مرت بهذه التجارب التي تمثل الطور البدائي في تاريخ النظم السياسية ، فاستبدلتها بنظم ديمقراطية ، تحترم حرية الفرد في التعبير ، وجعلت من المواطن شريكا أساسيا في الحكم والبناء ، بعد أن أمنت الشعوب الغير مسلمة بأن الاختلاف سنة من سنن الخلق ، ولم نؤمن نحن الملسمون بقوله تعالى : ( وﻻيزالون مختلفين ) فذهبت السنون ونحن نحاول تغيير سنة من سنن الله في الخلق .
ﻻبد من عودة الحياة السياسية على أسس حضارية راقية ، تجسد قيم الحرية ، والعدل ، والمساواة ، ولو في شكلها البدائي البسيط ، فطريق الألف ميل يبدأ بخطوة ، و ﻻبد من نفج روح الحياة في مجتمع تصدعت أركانه تحت ضربات معاول الجهل والوهم .
ﻻبد من الإعتراف بتأخرنا في ركب السياسية ، ومعرفة حقيقة أنفسنا بأننا ﻻزلنا نعيش حياة القطيع ، ولم يرتق أسلوب حياتنا إلى مستوى ( مجتمع ) فالفرز على أساس الون ، أو المنطقة ، أو القبيلة معايير ﻻتزال هي السائدة ؛ وهذه أسس غير صالحة لإقامة عدل ، أو تحقيق مساواة .
فلابد أن تكون البداية صحيحة ، حتى تكون النهايات مرضية ، وهذا لن يتأتى إﻻ إذا تخلينا عن حياة القطيع ، في ممارساتنا السياسية ، و تتوارت مسميات جماعة عمرو ، وتيار بكر ، وفصيل زيد ، فالإقرار بملكية التنظيم لشخص دليل على التبعية المطلقة التي هي من صفات العبيد والأقنان في زمن انقراضت فيه العبودية ، فهذه المسميات والممارسات البدائية ؛ لم تعد موجودة في حياة كثير من دول الثالث ناهيك عن العالم المتقدم ، لأن المقارنة به ستكون ضربا من الشطح ، فإذا كان فوكو ياما صاحب كتاب نهاية التاريخ يقول : (أن أمريكا أخر الأمم لما وصلت إليه من الرقي السياسي والاقتصادي ، ففرنسا تحتاج إلى 25سنة عمل للحاق بأمريكا ) فكم تحتاج اليمن للحاق بدولة من دول المحيط الأسيوي وليس بأمريكا أو أوروبا ؟؟؟
ونحن اليوم على أبواب مرحلة جديدة ، يجب علينا استحضار الماضي بكل فصوله وتجاربه ومأسيها ليس لننكئ الجراح ، ولكن لنأخذ منه العظة والعبرة ، فمن ﻻيتعلم من أمسه لن يستفيد من يومه .
ونحن على أبواب عهد جديد يجب علينا أن نعي أهمية شراكة الأخر ، وقبول بعضنا مهما تباينت الأراء واختلفت المذاهب ، على قاعدة الناس متساوون في الحقوق والواجبات، فزمن الصوت الواحد قد ولى ، وتوارت سنينه بين حقب التاريخ كما يتوارى الدخان بين كثبان السحاب في أعالي السماء .
سعيد النخعي
عدن 4/ يناير / 2017م