العظماء ﻻيكتب لهم البقاء طويلا بين الناس ، لكنهم ينحتون أسماءهم على جبين الدهر ، رحل عمر سعيد الصبيحي ، رحيل العظماء ، ومات موت الأبطال ، عاش رافع الهامة أبيا ،ومات كما عاش ، فالرجل رضع لبان الرجولة من منذ نعومة أظافرة من مدرسة الصبيحة للرجولة والأباء .
آمن عمر سعيد بقضية ونذر له عمره ، ودفع حياته ثمنا لما أنتهاء إليه من قناعات ومبادئ ، وهكذا هم الصادقون ، يعطون في صمت ، وﻻينتظرون من الناس جزاء أو شكورا .
رحل القائد عمر سعيد الصبيحي ، مخلفا وراءه قصة فارس ، وموت بطل ، قصة سترويها الأجيال ، وستقف أمامها مليا .
ذهب عمر سعيد إلى مكانه الذي يستحق ، ومات الموتة التي تليق به ، بدأ حياته جنديا مقاتلا وأنتهى قائدا مقاتلا ، ليختم مشواره بما بدأ به .
لك الله أيها الصبيحة يا منبع الرجال ، ومؤئل الأبطال ، لكم الله أيها الأعراب الأصلاء ، الذين لم تفل سنون الحضارة عضد أصالتكم ، ولم تسلبكم الأيام قيمكم ومآثركم ، ولم تسلبكم كبريائكم رغم البساطة التي رسمتها الأيام على قسمات وجوهكم .
لا أعرف عمر سعيد الصبيحي ، ولكن شنفت آذني بطوﻻته ومآثره ، منذ زمن طويل ، روى لي من أثق به في نيابة البحث عدن وهذه شهادة أقولها لله ثم للتاريخ كما سمعتها : ( قال تم القبض على عمر سعيد الصبيحي ، واحضر إلى إدارة البحث عدن في عام 2008م بصحبة قائد حراكي أخر - هذا الأخر يشار إليه اليوم بالبنان - قال صاحبي : بينما كان نائب مدير البحث العقيد / ناصر السنباني في احد زنازين البحث الجنائي يستجوب صاحب عمر سعيد ويقول له أتريد جنوبا ؟؟؟ وكان الرجل يبكي ويقسم أيمانا مغلظة محاوﻻ إثبات براءته أنه ليس له علاقة بالجنوب وﻻ بقضيته ، قال : فالتفت إلى عمر سعيد الصبيحي وقال : أتريد جنوبا هاه ؟ قال فرد الصبيحي بصوت قوي وكله ثقة من نفسة ، وإيمانا بقضيته فقال : نعم أريد جنوبا وعلى عينك ، اقسم بالله سترحلون ، اقسم بالله سترحلون .
اليوم بر القائد عمر سعيد الصبيحي قسمه ، ورحل سجانه ، ورحلت معه قوى الشر الظلام ، ورحل عمر سعيد إلى مكانه الذي يليق به .
، يبدو أن الرجل أنهى مهمته ، فمهمته التي أقسم عليه صادقا ، انتهت مع آخر حد جنوبي؛ مضارب قبيلة الصبيحة ، مدرسة عمر سعيد الأولى التي رضع منها لبان الرجولة والأباء .
اقسم بالله ستخرجون ، أطلقها عمر سعيد الصبيحي وهو في مرحلة ضعف ، وبر قسمه وهو في مرحلة قوة ومنعة .
سقط عمر سعيد في صمت ، وهكذا هم العظماء لايخدشون حياء المكان ، وﻻ وقار السكينة ، صال وجال عمر سعيد في ميادين الوغي بسنانه كما صال وجال قبلها بلسانه .
أجزم بأن الجميع ﻻيعرف له صورة ؛ إﻻ صورته المضرجة بالدماء ، وكان الرجل كان نهاية بلا بداية ، رغم أن الرجل كان برتبة عميد ، يقود لواء من أقوى ألوية الشرعية وأكثرها بلاء في جبهة ظلت ملتهبة طوال عام كامل ، لأن عمر ليس من هواة الصور ، فالصور تقليد لم يصل إلى مضارب الصبيحة بعد فالأبطال ﻻيكذبون ، وﻻ يمثلون ، وﻻ يتظاهرون ، فهم كالسنبلة الملأ التي ﻻترى بجانب السنبلة الفارغة .
رحمك الله أيها القائد المغوار ، وسلام على أم انجبتك ، وأب عشت في كنفة .
سلام على الصبيحة المدرسة التي ميزت الدينار الذهبي من المغشوش .
سعيد النخعي
عدن 7/يناير / 2017م