نقد لثورة فبراير

2017/01/21 الساعة 08:02 مساءً

عبدالوهاب طواف- سفير سابق 

 

الزمن يناير 2011. المكان اليمن. كان الإحتقان السياسي قد بلغ مرحلة خطيرة. الوضع الإقتصادي في وضع متدهور. فساد عم الدولة، وفاسدين أثروا  وأفسدوا وأوغلوا. بطالة تعانق السماء. الأخطر في كل مامضى، حالة اليأس التي سادت وعمت وجثمت على صدور الشباب. الشباب الذين يمثلوا 65% من سكان اليمن. توريث مقنع وتركيز الأقارب في كل مفاصل الدولة، خصوصاً منها المالي والعسكري والأمني. 

فقر وعدم إستقرار نفسي ووظيفي ومعيشي، دفع بالجميع للخروج على الحاكم أنذاك. والذي تمكن الغرور وأستوطن كل جزئيات جسد الرئيس السابق صالح.
في ربيع 2012 وبرعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تم التوقيع في الرياض على تسليم السلطة. تطور إيجابي في منطقة لم يندمل بعد جرح تداول السلطة منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحتى اليوم. 

شباب الثورة عسكروا وجثموا في شوارع معينة في المدن. جثموا بفقر يشق الأرض، وأمل يعانق السماء. تركوا السلاح، ولم يعتدوا على منشأة. لم ينهبوا المنازل، لم يسرقوا قوت الشعب. لم يحبسوا أحد. لم يطردوا أحد من وظيفته. لم ينهبوا مؤسسات الدولة بشعار الله أكبر لم يغلقوا صحيفة. كان الخبز الجاف طعامهم. والدولة المدنية شرابهم .أحلام وصدق وبراءة سادت المشهد. 

قفز المشترك لقطف ثمار تلك الحركة الشبابية. حلوا بدلاً عن المغادرين في بعض مفاصل السلطة. للأسف لم يكونوا كما كان ينبغي لهم أن يكونوا.
الرئيس السابق علي عبد الله صالح غلب سياسة الإنتقام على سياسة العقل والمنطق. بدأ بحياكة الخطط والبرامج لإفشال الجميع. إتخذ سياسة شمشوم المجنون. لو كان غادر المشهد السياسي آنذاك، لكان اليوم مرجعية للجميع بدلاً أن يدمر نفسه وأهله واليمن. 

قوى الثورة ساهمت بدفع صالح للإنتقام، فمثلا رفضوا مصافحته أثناء توقيع المبادرة الخليجية بحضرة ملك السعودية، ونعتوه بالمخلوع مع انه سلم السلطة بحضور وإعتراف دولي وعربي ومحلي، وأتهموه بحيازة 64 مليار دولار بدون دليل وطالبوه بها. كما طالبوه بالخروج من اليمن وإعتزال العمل الحزبي بدون مسوغ قانوني. وأستبعدوا حتى دعوته لحضور توقيع وثيقة الحوار الوطني. ورفضوا حتى دعوته لاحقاً لحضور مناسبات وطنية. بل أنكروا حصانته التي وقعوا عليها. وبالمقابل ذهبوا للحوار مع الحوثي مرات ومرات، حتى بعد أن إنقلب على السلطة ونهب العاصمة. وهذا هو فجور في الخصومة وتعامل بسطحية وقصر نظر مع قضايا وطنية حساسة.

كنت أحد الخارجين على الرئيس السابق في 2011م بالرغم من قربي منه آنذاك. لو يعود بنا الزمن، لكنت تمسكت بشرعيته التي كانت مقاربة على الإنتهاء. كنا عملنا على الضغط الشعبي على صالح بعدم التوريث وذلك قبيل إنتهاء فترته. كنا أحتطنا من كثير من الفاسدين الذين أعتلوا منصة الشباب. كنا حرصنا على التغيير من داخل منظومة الحكم بدلا عن تدميرها. كنا حافظنا على النظام بدلاً عن إسقاطه. كنا حافظنا على مؤسسات ضعيفة مقابل لا مؤسسات.
 وأعتقد أن إخواننا في سوريا ومصر وليبيا سيوافقونني الرأي، لأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع.
 ليس يكن من حق الرئيس السابق الإشتراك في تدمير البلد والتحالف مع مليشيات الحوثي الدموية لإثبات صوابية مرحلته، والإنتقام من خصومه. فهو لم يتخلص من خصومه بقدر تخلصه من وطن بأهله وإمكانياته.

في أغسطس 2014 شاهدت بعيني قادة من المؤتمر وأعضاء برلمان وأصدقاء يتوافدون ويتدافعون لإلتقاط الصور مع المجرم أبو علي الحاكم في منطقة عصر على تخوم العاصمة صنعاء بفرحة تعانق السماء. بل ويجمعون لهم الغذاء والكساء والدواء، سعياً للتخلص من قوى فبراير إلا أنهم أسهموا في التخلص من اليمن للأسف. 
 الجهل والغباء والفجور في الخصومة قادتهم للتحالف مع مليشيات إنتهكت أعراضهم ونهبت ممتلكات أطفالهم وصادرت المستقبل على الجميع.
نعم، ثورة 2011 فتحت للحوثي نافذة سياسية ليطل بها على العالم، وهذا دليل على حسن نية الشباب تجاههم. الحوثي إستغل تلك الأوضاع ليحقق مكاسب سياسية وعسكرية لصالح مليشياته على حساب الوطن. صراع قوى الثورة وسذاجتها، وسياسة الإنتقام الصالحية مكنت الحوثي من الوصول إلى العاصمة.

 لا يجب تحميل الشباب وزر تداعيات ثورتهم بقدر مانحمل الأحزاب السياسية نتائج سوء قيادتهم لدفة سفينة فبراير. ونحمل صالح جريمة مساندته لمليشيات الموت وتفجير الحرب في كل مناطق اليمن.

اليوم: صوت العقل والمنطق والصالح العام يحتم على الجميع مراجعة شاملة لما تم وتلافي ماهو قادم. لن يتوقف شلال الدم إلا بإنهاء الإنقلاب ومفاعيله. مازال هناك وقت أمام صالح وحزبه للحاق بركب الجمهورية والثورة والعزة.

ليكن فبراير فرصة لمراجعة الأخطاء ولنترك الشباب يحتفلون بذكرى جميلة وأهداف سامية خرجوا من أجلها ودفعوا أثمان باهضة لتلك الأماني. إلا أننا سنحتفل جميعاً يوماً ما بيوم النصر على مليشيات الحوثي الدموية ومشاريع إيران الطائفية. سنحتفل بتدشين البدء بتحقيق أهداف ثورة فبراير ومن نفس مكان إنطلاقها.