هادي وصراع الخصوم

2017/02/13 الساعة 01:10 صباحاً

 

هادي الرجل الذي احتار الناس في أمره أغبي أم ذكي ؟ هو هادي ذاته الذي تحالف مع الكل وقضى على الجميع ، بطريقة  تبدو مستحيلة ، ﻻتصدق كثير من فصولها ، وﻻ تهديك إليها إﻻ  الأحداث  كشواهد عصر على وقوعها  .

صعد هادي إلى الحكم ، في لحظة غريبة ونادرة كتلك  التي تشبه ظهور المذنبات الكونية ؛ كمذنب هالي الذي ﻻيظهر إﻻ كل 76سنة ، إﻻ أنه  رغم ظهوره العابر ، ورغم طول المسافة الزمنية بين الظهور السابق واللاحق  ، إﻻ أن هذه اللحظة التاريخية توثق بدقة وعناية .

جلس هادي وسط الثعابين ، يهشها تاره عن نفسه بيده ، وتارة يستعين بثعبان  أخر من بينها  يكفيه مؤنة القيام بهذا العمل ، مقابل ضمان هادي للثعبان  بالمكوث أطول فترة قريبا من رجل الكرسي الذي يجلس عليه هادي نفسه ...  تعلم هادي  من مسرحية الرقص على رؤوس الثعابين ، وحفظ كثير من فصولها ، والتصقت كثير من أحداثها في ذاكرته ، لم يدر في خلد هادي أن أمواج الأقدار ستلقه  على كرسي الحاوي ، وسط مزرعة الثعابين .

 استلم هادي الخرقة من الحاوي ، وكأنه مصارع يتأهب للنزول إلى حلبة مصارعة ، كما يفعل المصارعون الأسبان في لعبة مصارعة الثيران التي عرفت بها حلبات مدريد الشهيرة   .

نزل هادي إلى حلبة الصراع ، متسلحا ببراعة  الحاوي ، لافتقاره إلى قوة المصارع ، وخفة الحركة  ، مستعينا بماعلق في ذاكرته من فصول لعبة الرقص على روؤس الثعابين ، فاختار طريقة حاوي الثعابين ، لمنازلة الأثوار الهائجة التي تحيط به من كل الجهات كإحاطة السوار بالمعصم .

بدأ العجوز  هادي منازلة الثيران ثورا ثورا ، معتمدا على كتم أنفاس ضعفه ، وطول صبره ، لأنه ﻻيملك ما كان يملكه سلفه من القوة ... اهتدى هادي إلى نقطة ضعفة بسرعة ، وسد مكامن الخلل ، فأدخل تعديلا طفيفا على قوانيين لعبة المصارعة مع الاحتفاظ بأصل اللعبة من حيث شكل  النزال ، وتسجيل النقاط،  وقواعد المصارعة ، وهو الاستعانة ببعض الأثوار لمساعدته عند اختراقه من  مكامن ضعفه التي كان يشكو منها هادي أحيانا صراحة ، حفظ هذا التعديل الذي أدخله هادي على اللعبة له الاستمرار متجاوز الوقت الأصلي والإضافي للمنازلة  بنجاح .

أنتهى الوقت الأصلي للعبة ، والثيران المساندة  لاتزال مستمرة في النزال إلى جانب هادي ، انهك طول النزال جميع  الثيران  المنازلة والمساندة ، واكتشفت أن وقت المباراة أنتهى ، والوقت الإضافي  أيضا ، واكتشفت شيئا ثالثا خطيرا  أنها ﻻتلعب على ساعة حكم بل تلعب على ساعة هادي نفسه . 

هاجت جميع أثوار الحلبة ، وهجمت هجوم رجل واحد على هادي ، فوجد نفسه أمام جميع من في الحلبة ،  بسرعة رمى الخرفة التي سلمها إياه الحاوي ،  كي يدفع شبح الهزيمة ، أو الموت عن نفسها ، توقفت جميع الثيران  ، وأعادة قرونها إلى أغمادها ، وتسابقت الأثوار على الخرقة لا لتأخذها لنفسها ،  ولكن لتعيدها إلى هادي ، وهادي يعيدها إليها ! أنهك الوقت  العجوز الثمانيني هادي ، وبدت أثاره ظاهرة  على قسمات وجهه بوضوح ، حتى قيل  نفذ مخزون هادي من الصبر،  الذي يفوق مخزون الخليج وفنزويلا من النفط  .

ظلت الخرقة مرمية في زاوية من زوايا الحلبة ، فترة ليست بالقصيرة ، هادي وسط الحلبة تحيط به الثيران من كل الجهات ، لم تأخذ الخرقة ، ولم يقبلها هو ، وظلت مرمية  أقرب إلى  خصومه منها إلى هادي .

جلس هادي منتظرا الخروج من الحلبة ، ولكن من  البوابة التي دخل منها ، فقواه ﻻ تؤهله للنفاذ من أسوار الحلبة ، فالرجل بلغ من الكبر عتيا ... بينما عروض الثيران تتوالى على هادي ، والوفود تتقاطر على الحلبة لإقناع هادي بأخذ الخرقة مرة أخرى ، فجأة على حين غفلة هرب هادي ، ونفذ من الحلبة ، وﻻتسأل كيف كان النفاذ ؟ فالنفاذ معلوم ، والكيف مجهول ، لم ينفض غبار أسراره إلى اليوم  . 

هادي في  عدن ....ليجد الرجل نفسه في حلبة  أضيق  من تلك التي خرج منها ، زادت الأخرى على الأولى أن كل من فيها ﻻيعرفون الخطوط الحمراء ، التي كان يأخذ تحت ظلالها بين الجولة والأخرى  استراحة محارب كلما أنهكه الصراع ، فاختار الغموض ، والكتمان  مع ثيران الحلبة الأخرى  ، فتحول هادي إلى بحر يصعب الوصول إلى قراره ، وﻻيدري ما تحويه أعماقه ، غازل الجميع ، للقضاء على الجميع ، للوصول إلى هدفه الذي يعلمه الجميع ، ويتجاهله الجميع في نفس الوقت .

الحظ ، والصبر ، والغموض،  حبال النجاة التي كان يفزع إليها المارشال العجوز  كلما تناوشته  قرون  ثيران الحلبتين   .
قصة حاكم  متنقلا  بين مدينين ،  يطوي  المسافات هربا من الأولى إلى الأخرى ، وهربا من الأخرى إلى الأولى  ، رغم اختلاف غايات أهلهما ، وتباين مواقفهما ، قصة أبرز فصولها سؤال كيف استطاع  الرجل الثمانيني الذي أفنى جل عمره في ثكنات الجيوش ،  جمع الخصوم في صعيد واحد لا يجمع بينهما شيئ غيره .

                   سعيد النخعي  
           عدن   12/ فبراير /2017 م