موسى المقطري
قال الراوي :
ومما ذكره غير واحد ، ممن شهد الأحداث الجسام ، واكدته الشواهد التي لا ينكرها إلا جاحد، أنه ما كاد الربع الأول من عام سبعة عشر والفين بعد الميلاد يمر ، إلا وقد ترك على خدود ووجوه العفافيش له أثر .
فقد روى الرواه ، وحكى الحكاه ، أنه بعد أن وضع المخلوع المسمى "عفاش" يده بيد برابرة العصر ، مفجري الجوامع ، الذين سماهم سادتهم بالاقزام وشيعة الشوارع ، استذلوا اتباعه واصحابه وانصاره ، فصار العفافيش كالايتام على مائدة اللئام ، يصبحون ملطومين ، وينامون مضروبين .
وكان ماكان من الأحداث والبلايا ، والفضائح والرزايا ، وأجمع الرواه ، طويلهم وقصيرهم ، قديمهم وحديثم ، أنك لا ترى عفاشي يسير إلا وخده أحمر ، وحول عينيه أسودٌ و أخضر ، يخبئ وجهه بيديه لايدري بـ"الملطام" من اي جهة ياتيه ، حتى نادى أكثرهم وصاح : ياقوم… سلامُ الله على الإصلاح .
ولم يسلم من هذه الطامة وزير ، ولا وكيل ولا مدير ، فاجتمع المقربون من عفاش ، وذهب اليه مجموعة من أتباعه الاوباش ، واجتمعوا به خلسة ، وكانت بينهم وبينه جلسة ، وحضرها من كبرائهم وسادتهم المسمى الراعي .
ومما ذكره الراعي عن تلك الجلسة في كتابه الموسوم بـ"بلاوي الانقلاب" عن سيده وصانع ذلته عفاش أنه وقف خطيباً في بدرومه ، فأرغى وأزبد ، وتقلب وتمدد ، ثم أطلقها صريحة مدوية :
ثلاثٌ من كُنَّ فيه كان عفاشياً خالصاً :
( اذا لُطِمَ صبر ، وإذا وقف راتبه شكر ، وإذا دعاه الزعيم نَفَر ، وهكذا قطيع المؤتمر ) .
فرجع للقوم صوابهم ، وعرفوا ان "اللطم" مرجعهم ومئابهم ، وبكوا حتى اخضلت اشنابهم ، ورجعوا لبيوتهم ووزارتهم صاغرين راضين موطين .
صحح هذه الواقعة المدبر حسين حازب ، واكده المتقلب بن حبتور ، وروى مافي معناه الملطوم بن حفيظ ، ولم ينكره جليس عفاش في المدكا ، المخبول عارف الزوكا ..
قال الراوي :
وهذه نهاية من جعل نفسه تابعاً لطاغية ، ووضع يده بيد فئة باغية ، وباع ضميره لجلاده ، واضاع اهله وارضه وبلاده ..
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وسلم .