كنت يومها أصلي مع أخي الاكبر الدكتور خليل وبعض الأصدقاء في ساحة الثورة في شارع الرباط ويومها التقيت بالأخ والصديق القديم طارق المذحجي والد الشهيد اكرم الذي أستشهد بعد ذلك في احدى مسيرات ثورة 11 فبراير.
اندلعت حرائق الاطارات من خلف السور الذي صنعه بلاطجة عفاش ليمنح تحرك الحشود وتمددهم في الساحة على طول شارع الوحدة (الجامعة) واتضح لاحقاً أنه المكان العازل الذي تمترس خلفه القناصة الذي دربهم ابن عفاش على القنص والقتل بدم بارد كما يحدث اليوم في تعز.
حلقت حينها طائرة مروحية في السماء، تتابع ما يحدث وأعتقد انها كنت أيضاً تصور ويقال ان عفاش كان عليها يشرف بنفسه على هذه الجريمة الشنعاء.
حينها وبعد أداء صلاة الجمعة توجهت ومعي الصديق طارق المذحجي لداخل الساحة لينادي على أولاده لكي يذهبوا للغداء وكنت أود حينها ان اتعرف على هؤلاء الشباب الثائر أبناء صديقي الذي لم اعرفهم من قبل.
دخلنا الى الساحة في شارع الجامعة وحينها انطلقت الرصاصات على الشباب في الساحة من خلف السور الفاصل وكان الثوار يتساقطون أرضا أمامنا فقمت بإسعاف أحدهم سقط أمامي وحملته ومعي آخرين بسرعة الى المستشفى الميداني وكنا من أوائل الواصلين للمستشفى وادخلناه الى غرفة العمليات حيث كان هناك عدد من الاخوة الجراحيين كان منهم الأخ الدكتور طارق نعمان واتصلنا بآخرين منهم الأخ الدكتور محمد الرميمة وعبدالله دحان ليلتحقوا بالمستشفى الميدان ولم أشارك طبعا في هذه العمليات الجراحية لأني لست طبيب جراح وانما بقيت في الساحة أعمل مع الشباب لعمل الاسعافات الأولية وايقاف النزيف للجرحى الذي استمروا بالتوافد إلى المستشفى الميداني بالعشرات وكنا نبكي من شدة الألم والحزن حينما نجد أنفسنا عاجزين عن اسعافهم بسبب شدة الاصابات وتهشم الجماجم وحجم النزيف الكبير الذي كنا نقف عاجزين عن تعويضه وايقافه بل ان العديد من الشهداء وصلوا المستشفى الميداني وقد فارقوا الحياة.
بقيت في المستشفى ومعي الزملاء حتى المساء دون ان تدخل بطوننا لقمة طعام أو شربة ماء ولم نفكر حينها الا بعمل ما نستطيع لإنقاذ ما يمكن انقاذه للجرحى وبالطبع حينها نقلت القنوات التلفزيونية ذلك الحدث البشع واطمئنت زوجتي واولادي على سلامتي عندما شاهدوني بخير على احدى القنوات من داخل المستشفى.
يوم صعب لن انساه ولن انسى توسلات الجرحى لنا بان نعمل لهم شيئا ولن ننسى الحزن والم الفراق في عيونهم ولن ننسى تكبيراتهم وهم بتألمون ولن ننسى وصيتهم لنا بأن نستمر في الثورة حتى نحقق ما سقطوا هم من أجله.
رحم الله شهداء جمعة الكرامة وشهداء ثورة فبراير وشهداء اليمن حتى اليوم في كل مكان لمواجهة الظلم والفساد والجهل.
لذا أقول أن من يشكك بجمعة الكرامة لا كرامة له.