أقر وأبصم بالعشر أن علي سالم البيض ومن خلال مهرجان الثلاثاء في عدن أثبت الشرعية لذاته باعتباره أبرز اللاعبين في شارع الحراك الجنوبي.
تجاوز الجميع دفعة واحدة: شعبية الزعيم باعوم، ومكر المهندس العطاس، وفاعلية الرئيس علي ناصر، وكارزمية العميد النوبة، ووجاهة الشيخين الفضلي وعبدالرب النقيب، وديناميكية محمد علي أحمد وفهلوة عبدالرحمن الجفري..
هو انتصر بالفعل ولكن ليس لصالح الجنوب والأهداف التي يعلنها لجمهوره بـ(التحرير والاستقلال وفك الارتباط)، فالفعالية لم تأت بجديد، احتشاد مكرر، وكلمات وبيانات مؤرشفة، حفظناها عن ظهر قلب، ومللنا سماعها منذ سبع سنوات، لا جديد مؤثر في وحدة الصف داخلياً ولا تغيير واضح في الموقف الإقليمي والدولي خارجياً.. بل على العكس من ذلك، ها هي قناة (عدن لايف) الصوت العالي للسيد البيض تتعرض للتشويش وانقطاع البث لساعات، وهذه رسالة واضحة باتجاه تضييق الخناق ومحاصرة الصوت كخطوة أولى لإخراسه إلى الأبد طالما يقف معاكساً لإرادة المجتمع الدولي الذي سبق وأنذره بصريح العبارة في بيان معلن وصادر عنه.
وأمام تقطع بث القناة وودت هل استشعرت إدارتها والعاملون بها والمغرمون بمتابعتها، مقدار الألم وهم يروجون ويشجعون على قطع شوارع عدن ومدن جنوبية وقطع أرزاق الناس وحركتهم وأعمالهم بفعل عصيانهم المشوه؟!.
لعل الانتصار الذي حققه علي سالم البيض كان على رفاقه في الحراك من قيادات الخارج والداخل والمكونات التي رفضها وفرخها ولم يتعرض لها ولا بشراكتها في النضال ولو بعبارة واحدة في خطابه الأخير المفعم بالذات و الأنا..
لم تعجبه المبادرة البيضاء لحسن باعوم ، ولا دعوات وزيارات علي ناصر، ولا لقاءات العطاس أو لجان المتابعة وجهود مثقفون جنوبيون وقبلهم العلماء، لا شيء يعجب الرجل، طالما هم لم يسلموا بشرطه، وهو الولاء والسيادة له لا شريك معه..
انتصر على القيادات التي شاركته وسبقته النضال وقام مناصروه بإقصاء صورهم وإنزالها من منصة ساحة العروض، ليبقى المشهد حصريا للبيض ومن يدور في فلكه ويردد الهتاف الأبله: (يا علي سالم عدن بانتظارك أنت قائدنا ورمز الحراك).
وهنا أتساءل: كيف تتضخم الصورة وتبدو أكبر من القضية، وكم من معارك وصراعات خاضها الأنصار من أجل صورة (فخامته) وبسببها تعرضت اللحمة الحراكية والجنوبية للتصدع واهتز التصالح والتسامح وتفرقت الصفوف، بل كم من بيان كان سيكون جامعاً لولا الإصرار على تظمين اسمه ومنصبه كرئيس فاقد للسيادة؟!.
هذا الانتصار في جوهره، تتخلق هزيمة، ستظهر نتائجها فيما بعد، فالإقصاء لا يمكن أن يكون نجاحاً دائماً ومستمراً وقابلاً للحياة.
التاريخ يعيد نفسه وعلي سالم البيض يكرر غلطات أدمن ارتكابها، ففي عام 1990م عندما قرر الذهاب إلى الوحدة ، دون ترميم البيت الجنوبي من الداخل، ويقوم بتضميد جراح قديمة لم تندمل بعد، جراء صراعات العقود الماضية، القومية والتحرير والطغمة والزمرة واليمين واليسار، وما خلفته من شتات لسياسيين جنوبيين وأمراء ومشائخ وسلاطين ومناضلين في صنعاء والخليج ودول العرب والعجم، وتركة وأحقاد وثارات سياسية وضحايا الشمولية التي أمسكت بالبلد لـ23عاماً، على أنقاض 23إمارة وسلطنة عمرها يمتد لثلاثمائة عام..
بل إن الرجل وهو يحمل أمتعته باتجاه صنعاء ويوقع بالتنازل في الورقة والنصف عن مقومات الدولة والمنصب والعاصمة لعلي عبدالله صالح، حمل أحقاده- أيضاً- مشترطاً أن يغادرها علي ناصر محمد إلى منفاه الثاني بعد إخراجه من الجنوب عقب أحداث يناير86م، وتنازل عن حلفاءه من الجبهة الوطنية في الشمال ، بل وسلم كشوفاتهم بالجملة لصالح الذي أثبتت الأحداث التالية مكره وخبثه، وتبلد صاحبنا الذي (شبكنا) ولن يكون المخلص على الإطلاق.
وبالحصيلة كان هؤلاء المقصيون جميعهم من كل صراعات الجنوب السابقة، هم وقود المعركة الفاصلة وهزيمة مشروع البيض الانفصالي في حرب صيف 94م ، من لدن وزير الدفاع- حينها- عبدربه منصور هادي وباقي الجنرالات والألوية الستة النازحة إلى الشمال في 86م، مروراً بالمحاربين المجاهدين كطارق الفضلي والإسلاميين المعتدلين الذين ضاقوا ذرعاً من حرب وتضييق طوال فترة الحكم الذي اعتمد الفكر الشيوعي وتصادم بشراسة مع فكر وعقيدة يحملها أهل هذه الأرض منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام.
تذكروا أن البوابة التي فتحت الثغرة أمام الجيوش لدخول عدن، كانت من بيت عياض في لحج، وهم من هم، عانوا الأمرين من النظام الجنوبي السابق بحكم فكرهم الإسلامي الملتزم، ورأوا في عودة الجنوب تحت راية علي سالم البيض عودة للعهد السابق بكل مساوئه وظلمه وقهره واستبداده.
وعليه ها هو علي سالم البيض يقيم فعالية ذكرى فك الارتباط في عدن وهو بعيد عنها في بيروت، تماما مثلما كان الإعلان غريبا عن المدينة ورفضت احتضانه إلا من حضرموت، وفعالية فك الارتباط هي في حقيقتها احتفاء بذكرى الهزيمة، بدليل أن الرجل يكرر مقدماتها وأسبابها والممارسات المحيطة بها، وتكرار المقدمات سيؤدي بالضرورة إلى حصاد ذات النتائج.
أكرر: علي سالم البيض حقق اليوم نصراً على رفاقه وأثبت شرعيته رغم أنوفهم، وما هكذا تبنى الشرعيات في الأوطان التي ينشد قادتها الاستقرار والاستمرار والمواطنة المتساوية وعليه إذن أن ينتظر ردة الفعل التي لم تخطر على باله المدمن إنتاج الغلطات دون الاعتبار بدروس الأيام وتقلباتها.
ولمؤيدي البيض ومناوئيه جميعاً نختم: إنه لمن المخجل جداً التعثر مرتين بالحجر نفسه