جاءت جولة الملك سلمان بن عبد العزيز الآسيوية في الوقت الذي ظنت بعض المنظمات المشبوهة في أوروبا وأميركا أنها قد ضيقت الخناق على المملكة والتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، تلك المنظمات هي الوجه الانتهازي الآخر لبعض الحكومات التي تبحث عن مصالح بطرق غير مشروعة لا أكثر، العلاقات الدولية تبنى على المصالح، وعندما تتغير آليات السوق أو الظروف السياسية يبحث العجزة سياسيا واقتصاديا عن وسائل وأدوات مشبوهة وغير مجدية، وذلك يعد إيغالا في الانتهازية السياسية الرخيصة.
الجولة الآسيوية للملك كانت كما يقول المثل البلدي "ضربة معلم"، المملكة اليوم قوة سياسية واقتصادية وعسكرية، علاقة المملكة المتنوعة تقول ذلك بصراحة، عشرات الاتفاقيات بمليارات الدولارات كانت نتيجة لهذه الجولة الآسيوية، في المجالات الاقتصادية والتعليمية المختلفة، الاقتصاد اليوم بأمر سلمان يتبع السياسة وليس العكس.
أضف إلى الاتفاقيات الاقتصادية التفاهمات السياسية التي تفتح أبوابا للتفاهمات حول العديد من القضايا الدولية الراهنة من أزمات الشرق الأوسط إلى مكافحة الإرهاب إلى التنمية المستدامة، وفي النتيجة العلاقات السعودية الدولية في أحسن حالاتها رغم الهجمات الشرسة للإعلام الغربي الذي يدعم سياسة الانتهازيين الدوليين الباحثين عن صفقات من تحت الطاولة.
فلتذهب بعض الدول الانتهازية خلف أطماعها ومنظماتها المشبوهة، ولتذهب المملكة بعيدا في علاقاتها الدولية المنفتحة على الشرق والغرب، الملك سلمان يذكرنا بالقادة الكبار ناصر ونهرو وتيتو -وهم أصحاب فكرة دول عدم الانحياز-، وها هو يقود المملكة التي أنشأها الملك عبد العزيز وسط جزيرة مضطربة في نهاية عهد قديم، واليوم المنطقة التي تتسارع فيها عمليات التغيير لكن بما تقرره الشعوب لا بما تشتهيه بعض الأنظمة التي لم يعد لها وجود فعلي على مستوى الفعل الدولي.
"تمثل آسيا ما يقرب من ثلث الطلب العالمي اليومي بأكثر من 31 مليون برميل يومياً، وتنافس المملكة الدول الخليجية الأخرى، بالإضافة إلى إيران وروسيا، على جزء كبير من السوق الآسيوية." ولذا لم تأت الجولة الآسيوية من فراغ.
يبدو أن المملكة بقيادة سلمان تعيد تقييم الوضع في علاقتها الخارجية بناء على المصالح والفرص القائمة على الشراكة مع مختلف دول العالم، وكما تحمل الكثير من الدلالات السياسية، فزيارة الملك سلمان في النصف الأول من العام الماضي لتركيا حملت مضامين كبيرة ورسائل لمن يحلمون بشرق أوسط جديد بعيدا عن شعوب وحكومات المنطقة، كما أن زيارة ولي العهد الأمير محمد بن نايف لتركيا في أواخر النصف الثاني من العام الماضي، عطلت على المنظمات المشبوهة -والتي تحمل عناوين إنسانية وهي تجارية سياسية ربحية في حقيقتها -والتي جعلت شركات الأسلحة في دول الناتو توقف توريد الأسلحة الضرورية لعاصفة الحزم بغرض ابتزاز المملكة، فعوضت تركيا النقص باعتبارها ثاني قوة عسكرية في الناتو، كما أن زيارة ولي ولي العهد محمد بن سلمان مؤخرا للولايات المتحدة قطعت الطريق على طهران وصناع الفوضى في الشرق الأوسط ، وهي نقطة محورية لإعادة العلاقات بين البلدين إلى سالف عهدها بعد أن فترت في عهد أوباما.
المنظمات الدولية التي ترفع ثوب حرب السعودية على اليمن غير مدركة عمق العلاقات اليمنية السعودية وعمق علاقات شعوب الجزيرة والتي يجمعها العرق والدين والتراث والتراب والعروبة والمصير والقدر المشترك، أكبر المنظمات الدولية -والتي لم تعد سوى عصى لراع مات منذ أمد- هي الأخرى لا تقدر جهود المملكة لإنقاذ الشعب اليمني، ولا تنظر لما قدمته حكومة المملكة للمنظمات الإنسانية من دعم لتوزيعه على اليمن، مليار وسبعمائة مليون دفعتها المملكة لتلك المنظمات لتعود على اليمن، وبطبيعة الحال تلك المنظمات تناست مناطق التماس والمناطق المحاصرة وصرفت المساعدات بطريقتها المعروفة، 70% للخبراء والباقي دعاية ومساعدات صورية.
الأمم المتحدة التي لا علاقة لها بالوضع المأساوي في اليمن ولذا هي لم تقبل الإشراف على ميناء الحديدة، حتى لا يستمر كميناء عسكري لتهريب الأسلحة للمتمردين الانقلابيين في أجزاء من شمال البلاد، أصبحت هذه المنظمة عرضة للانتقادات بعد أن انتهى دورها الفعلي وصار العالم بحاجة إلى إعادة هيكلتها.
مركز الملك سلمان صرف ما يزيد من ملياري دولار خلال الفترة الماضية لإيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة والتي حاصرتها قوات الانقلاب، ولذا تبدو مهمة المملكة والتحالف غير سهلة، فهي تدعم الحكومة الشرعية من جهة، وتدعم الجيش الوطني، وتدعم إعادة الاعمار من جهة ومستمرة في حماية اليمن والمنطقة من خطر التمدد الإيراني في اليمن، من يعرف سياسة النفس الطويل للمملكة يدرك أنها ستنجز مهمتها وتعيد الاستقرار إلى اليمن المنكوب بإيران وتحالفاتها مع القوى الظلامية التي نفذت انقلابا ضد الدولة والشعب وليس ضد سلطة أو فصيل سياسي كما روج له.
جولة سلمان الأخيرة تقول أن المملكة التي اوشكت على الانتهاء من مهام عاصفة الحزم وإعادة الحكومة الشرعية واستعادة الدولة من قوى الانقلاب، نجحت في العاصفة وأصبحت أكثر قوة، وأن كلمتها هي الأولى والأخيرة في المنطقة، ولا يمكن تجاوزها بعد الآن، وتقول أيضا أن أعداء المملكة باتوا أكثر ضعفا على المستوى السياسي والعسكري، ولم يعد لديهم مساحة كافية للمناورة، وأن عودة الاستقرار إلى المنطقة بات وشيكا، وأهم ما في الجولة الآسيوية أن المملكة وسعت علاقتها بطريقة برجماتية محترفة، وأنها لن تسمح مستقبلا بتمدد أعدائها على حساب علاقتها الدولية المميزة.