مرايـا أنــور !

2017/04/02 الساعة 01:51 صباحاً
يغني "أنور العنسي" ولا يكتب ، يشتاق ، يغرد ، يصحو كالفجر من ظلمة ليل طويل ، يرى ما لا نراه في "مرايا الأزمنة" ، يلسعنا بخطوات الحبر في كل حرف يكتبه عن اليمن والعالم ، عن الأمكنة التي زارها ، وافتتن بها ، عن القرية التي سمعت صراخه الوليد ، وعن صنعاء التي بكاها وهي تخلع ثوبها الأسطوري وتدخل مكرهة حلبة التعري أمام مجموعة من الحمقى الذين اختطفوها الى الأبد. - دراما "أنور العنسي" مبثوثة بحزن واضح ، ملامح الأسى ، والنهاية المأمولة لحالم بـ"إصلاح العالم" ، ومثقف حقيقي تشرّب أوعية الأدب والشعر والتاريخ ، ونال مفردات الكتابة حتى صار أكثر الناس مهارة وسخاءً. بادية في ملامحه التي تتكوم أمامي في غبرة الزمن الضئيل ، وتعكس لمحة دامعة من وجهه الضخم عبر "مراياه" التي اشتاقت لتراث صنعاء ، وأحيت في القلب نكتة سوداء عرجت بي إلى كتابه النثري المخيف . - ما الذي جعل "أنور" مُظلمًا ، لِمَ لم يعد ذلك السخي الذي استوقفه "الرازحي" ذات يوم ليشكو انزعاجه من جريان قلمه ، وغزو ابداعه لمراجل الفن والأدب والشعر ، والبرامج الذكية الشهيرة ؟ ، أي ثُقب أسود ابتلع "العنسي" فذهب بكيانه ، وتركنا بلا وداع ؟ ، لم يمت ! ، لكنه اختفى ، واليوم وقد عاد بكتاب الذكريات والأماكن ، أجدني ناقدًا معاتبًا ذاك الغياب ، وقد جفت اليمن من الحب ، والعاشقين الذين كان "أنور" قنديلهم المتوهج دائمًا . - هي الحياة إذًا ، أم متاعب الرزق ، وصداع العيال وقد كبروا وصاروا أكثر إلحاحًا على الأب بوضع نهاية لإبداعه من أجلهم ، إنه خيار صعب ، انا وابنائي ، أم الآخرين الجاحدين ؟ . - منذ عام وكتاب العم "أنور العنسي" في خزانتي ، هجرته في انشغالي بكتب أخرى وافلام شائقة ، ولما عُدت إليه وقد قرأت منه أربعين صفحة ، وعدتني ألا يفارقني حتى النهاية ، ومنها لم أنتهِ ، فقد غمرتني الحكايات اللذيذة بدفء غريب ، سافرت معه ولم أعد حتى الآن ، من "الذاري" تلك القرية المختبئة بحياء خلف الشجر ، إلى لندن ! . لقد كسر "العنسي" كل شيء ، الذماري الذي غزا العالم ، ومزج الحضارات بداخل كتاب واحد ، ووحده فقط كان الرفيق الذي لا يُمل ، اشترى لي تذكرة ذهاب معه إلى ذمار ثم صنعاء وتعز وعدن ، سافرت وراءه الى مجاهل افريقيا ، اقتفيت أثره في الدار البيضاء ، مصر ، الشام ، بيروت ، بغداد ، طوكيو ، نيويورك ثم باريس وأخيرًا لندن .. في ثلاث ساعات فعلت كل هذا ، ولم أزل هناك مستلقٍ على حشائش خضراء قريبًا من ضاحية "جولديزر جرين" .. تركني وحيدًا ولم يعد معي شيء ، حتى تذكرة الإياب . .. #سام_الغباري