أينما وجدت الشعارات اختفت المنجزات

2017/04/09 الساعة 07:59 صباحاً
الشعارات والمنجزات ضدان ﻻيجتمعان في بيئة واحدة فوجود أحدهم علة موجبة لطرد الأخر ، فإذا كانت المنجزات قرينة دالة على رقي المجتمع وتقدمه ، فالشعارات علامة دالة على تخلف المجتمع ، وانحطاط وعي أفراده . فالقوى السياسية التي تعتمد على الشعارات والشحن العاطفي عبارة عن ظاهرة صوتية تشبه الطبول فارغة من الداخل ﻻيصدر عنها سوى الصدى ، الذي يخدش حياء المكان ، ووقار السكينة ، لذلك لايتركون أثرا نافعا في الحياة ، سوى تلك اللحظة الفوضوية العابرة التي تشبه مرورهم العابر في حياة الأمم والشعوب ، بينما تجد القوى الحية التي أسهمت في بناء الدول ، ونهوضها الاقتصادي أبعد ماتكون عن هذا المسلك ، الذي لم يعد موجودا إﻻ في دول ﻻتتعدى أصابع اليد الواحدة ، يهيمن عليها الخاطب الديني أو الايدلوجي المتطرف ، فإذا عقدت مقارنة بين ما انتجه النموذجان في حياة الأمم والشعوب ، فلن تجد أثرا نافعا خلفه رجال الشعارات سوى الوهم ، والضياع، وأقرب مثال لهذا النموذج حقبة الرفاق في الجنوب ، ملاؤا الدنيا ضجيجا بالشعارات الثورية الرنانة ، ولم يخلفوا ورائهم سوى قوارير البيرة الفارغة . وإذا أردت الوقوف على نتاج النموذجين من واقعنا اليوم ، فانظر إلى الوضع في المناطق المحررة ، فهذا المناطق تحكمها حكومة واحدة ، مشكلة من توليفة سياسية ، وحزبية ، ومناطقية مختلفة ، فإذا نظرت إلى الأوضاع المعيشية والخدمية التي يعيشها الناس في محافظتي حضرموت ومارب ، وحجم العمل الجاري لإعادة بناء أجهزة الدولة العسكرية ، والأمنية ، والمدنية ، والمزاج النفسي للناس ، والأنسجام والتجانس الاجتماعي بين سكان هاتين المحافظتين مقارنة بالأوضاع المعيشية المزرية التي يعيشها الناس في عدن ، نتيجة لتردي الخدمات ، واستمرار الأزمات ، وفوضاء التنافر الاجتماعي الذي انتجته التعبئة المناطقية النتنة . ﻻتوجد شعارت في حضرموت ومارب ، و ﻻتوجد ذوات سياسية مقدسة ، وﻻيوجد مسؤول فوق النقد والمحاسبة خلافا لما هو جار في عدن ، إذ يعد أنتقادك للمسؤول من الموبقات التي توجب تجريدك من الهوية ، والإنتماء الوطني ، أما نصيحتك له تستلزم طقوسا خاصة قبل النطق بأسماء الذوات السياسية المقدسة إجلالا وتعظيما لها . ﻻتوجد شعارات للتعظيم والتبجيل في حضرموت ومارب ، ولم تزين الشوارع بالخربشات الجدارية على واجهات المباني بشعار( كلنا فلان ) و( وكلنا فدى نعلي فلان ) ولم تعق الصور والأعلام حركة السير في الطرق و الجوﻻت . أختفت الشعارات الثورية المنادية بالتحرير واﻻستقلال ، واستعادة الدولة ، في أكبر محافظة جنوبية مساحة ، وسكانا ، وثروة على الأطلاق ، وغابت الشعارات الداعية للحفاظ على الوحدة في ظل اليمن الاتحادي الجديد في أغنى ، و أعرق محافظة شمالية على الأطلاق ، فاستغنت قيادة المحافظتين عن الشعارات بإعادة الخدمات الأساسية كالكهرباء ، والمياة ، وتوفير المشتقات النفطية ، وإعادة بناء أجهزة الدولة العسكرية ، الأمنية ، والقضائية ، والادارية ، وانتزعوا من دول التحالف الدعم لبناء المشاريع ، وتطوير البنية التحتية ، وتركت قيادة المحافظتين الحديث عن منجزاتها للغة الأرقام ، بينما اتجهت قيادة محافظة عدن للإعلام ، من خلال دعمها السخي للكتاب ، والإعلاميين ،والناشطين ، وإنشاء الصحف ، والمواقع الإعلامية لاختلاق الأعذار ، وصياغة الحجج ، وإشغال الناس بمعارك جانبية ﻻتشبع ، وﻻ تغن من جوع ، ومن تكلم أو رفع صوته بمطلب أو خدمة فالأبواق جاهزة لإلجامه ، وقطع أنفاسه قبل أن يكمل شكواه ، أو يبين حجته ، أما أجابتهم عن سبب انعدام الخدمات فهي الاصلاح ، وبقايا عفاش ، وﻻيزال الناس يسألون من هم هؤﻻء الاصلاحيون والعفاشيون ، الذين يسومون الناس عذابا ؟ أين هم ؟ وسيكفي المواطن السلطة المحلية مؤنة استصال شافة أحيائهم ، ونبش قبور أمواتهم ! فإذا طالبت بحل أزمة الكهرباء ، أو توفير المياة ، أوحل أزمة المشتقات النفطية المتكررة ، قالوا : أنت عميل مأجور على صلة بمراكز الفساد ! فتقسم لهم إيمانا مغلظة أني لا أعرفهم ، ولو كنت على صلة بأحدهم لما أشتكيت فقرا ، أو بوسا، أو حاجة . اختفت الشعارات في حضرموت ومارب ، وحلت مكانها المنجزات واستمرار الخدمات ، وسادت الشعارات في عدن فاختفت المنجزات ،وانعدمت الخدمات ، وتحولت عدن إلى أرض يباب ، يسكنها الخراب ... المنجز الوحيد فيها أن أرباب الشعارات استبدلوا أعشاشهم البالية ، وجحورهم الخربة ، بقصور فارهة لهم ولأتباعهم من كبار المطبلين والمزمرين ، ثمنا للمحافظة على الصنعة ، وأحياء سوقها ، والترويج لبضاعتها . فبيئة المنجزات تختلف عن بيئة الشعارات ؛ كاختلاف ضارب الطبل ، ونافخ البوق عن رجل الدولة . سعيد النخعي عدن 8 / أبريل / 2017م