ساهمت الأمية السياسية عند النخب ، وبدائية التفكير عند أفراد المجتمع ، إلى إذكاء روح الصراع بين مكونات المجتمع ، وخلق حالة من التوجس والخوف اللامبرر من الأخر ، تحت دواعي الحفاظ على مصالح الوحدة الاجتماعية الصغرى ، أو تحت تأثير شبقها للاستحواذ والتسلط ، ساهمت هذه الهواجس مجتمعة في تلاحم المكونات الاجتماعية ، والجهوية ، مقابل ترهل النسيج الاجتماعي للمجتمع ، أدى هذا الترهل إلى تحليل الهوية الوطنية إلى مكونات أولية بسيطة ؛ وتوزيعها على الكانتونات الصغيرة المنتشرة على إمتداد جغرافية الوطن ، تشبه دوائر التقرحات الجلدية التي تسببها بعض الأمراض الجلدية المزمنة .
خلقت حالة عدم الثقة بين المكونات سوكا سياسيا مضطربا بسبب عقدة التناقض بين الوﻻء المطلق للوحدة الاجتماعية الصغرى التي يتكأ عليها القائد ، والمصالح الوطنية العلياء للجماهير التي يستمد وجوده منها ، فيلجأ إلى ممارسة سلوكا نفاقيا في مسلك يشبه إلى حد بعيد التقية عند غلاة الشيعة .
لتجد هذه النخب نفسها في كل مرة بين خيارين ﻻثالث لهما ، أما الوطن ، وأما المنطقة ، مشروعان نقيضان من المستحيل الجمع بينهما ؛ كاستحالة الجمع بين الأختين ، ومع انحسار الخيارات المتاحة ، تفصل هذه النخب الصغرى على الكبرى ، وتمضي خلفها القواعد العمياء ، متحلله من كل قيد وطني ، أو مصلحة علياء ، أو وازع أخلاقي ، أو ديني ، غير عابئة بشيئ إﻻ ما يمليها عليها وﻻؤها المناطقي الضيق ، الذي أعماها ، وأصمها ، وأخرسها ، وعطل كل حواسها .
لتجد هذه النخب والقواعد نفسها في كل مرة ، كالمشرد ، الذي ليس له في المستقبل مكانا ، ولايملك من حاضرة سوى ذكريات نزوة أليمة ، حتى إذا مامل حياة التشرد والتسكع ؛ عاد من نقطة إنطلاقته الأولى متزودا بالندم ، و مستعينا بجلد الذات كلما أوهنه المسير ، أو دب إلى نفسه اليأس .
بدايات مكررة ، تستنسخ نهايات مكررة ، ﻻتجد في ثنايا فصول أحداثها سوى أحلام شعب ، .
نثرتها عوادي الدهر على جوانب التاريخ ؛ أرخت خطامها للريح توجهها حيث تشاء .
سعيد النخعي
عدن 28 /أبريل /2017م