موسى المقطري
في حالة غريبة على منهجيات وأليات العمل السياسي المدني يتعرض حزب عريق كالاصلاح لحملة ممنهجة تستهدفه على جميع الاصعدة ، بدأت بالطعن في مرجعياته وادائه السياسي ، ووصلت حد القيام بانتهاكات خطيرة تطال أفراده وقياداته ومقراته ومؤسساته .
اختلفت أسماء الفاعلين في كل مرة ، لكن ما يجمعهم أنهم أعداء الدولة المدنية ، وجميع القيم الحسنة التي ينبغي أن تسود العمل المدني ، وخاصة قيم التنافس الشريف واحترام حق التعبير عن الرأي ، وحرية اختيار المواقف السياسية ، واختيار أليات العمل السياسي ، وحرية التحالف مع الاطراف السياسية الأخرى .
في المحافظات التي لازالت تخضع لسيطرة تحالف الانقلاب المشؤم ينظر طرفا الانقلاب للاصلاح أنه مدرسة في القيم والأداء السياسي المتميز الذي يحفظ التوازن في ملعب السياسة ، ويقدم نموذجا للعمل المدني النابع من كتلة القيم التي يتكئ عليها الاصلاح كموروث سياسي قائم على الخلفية الثقافية والفكرية المتميزة لصناع القرار فيه .
هذه القيم يعدها تحالف الانقلاب خطراً حقيقياً على أحلامه في التحكم والسيطرة النابعة من خرافات الطائفة أو العائلة أو السلالة أو القبيلة ، كما أن موقف الاصلاح الرافض للانقلاب على الشرعية وكل ما ترتب عليه ، ورفضه التعامل مع الانقلاب كسلطة امر واقع ، وإعلانه الصريح دعمه للشرعية كقيمة مضادة للانقلاب جعل طرفاه يواجهون رفضا شعبياً واسعاً .
هذا كله جعل الاصلاح في مرمى نيران طرفي الانقلاب ، وهذا في الحقيقة ليس خطرا على الاصلاح فقط لانه اختار الموقع السياسي الصح ، إنما الخطر هو على القيم السياسية التي يطمح الانقلابيون الى القضاء عليها لضمان نجاح مشروعهم الانقلابي .
في محافظات محررة أخرى يتعرض الاصلاح لهجمة من اصحاب المشروعات الصغيرة لأنه يمثل المشروع الوطني الجامع ، وبحسب رؤيتهم فإن وجود كيان سياسي بهذا الثقل يعرقل مشروعاتهم المشبوهة لانها لاترتقي لحجم الوطن ، ولا يقبلها لا الإصلاح ولا اي عاقل يفكر بمصلحة بلده .
أراد أصحاب المشروعات الصغيرة العمل تحت ظل الشرعية لاسقاطها من الداخل ، بينما اختار الاصلاح موقفا صريحاً واضحاً ، ووضع كل ثقله السياسي والجماهيري في صف الشرعية كقيمة اولاً، ثم كسلوك ضامن لاسقاط فكرة الانقلاب كقيمة سيئة وكسلوك منبوذ ينبغي ان لا يتأصل في العمل السياسي .
قرأت كثيرا من كتابات سطَّرها ناشطون في أحزاب اللقاء المشترك والمؤتمر ، او مستقلون ، وكلها تتحدث بعمق عن أن استهداف الاصلاح ليس لذاته وانما للقيم التي يؤصلها في واقع العمل السياسي ، واعجبني نضج هذا التفكير ، فيما لم اجد مثيل هذا الطرح من قبل القيادات العليا لهذه الاحزاب ، وهي لعمري ثلمة في حق النخبة في هذا البلد.
ليس ثمة خطر حقيقي على الاصلاح كحزب لان قرارته وخطواته الموفقة خلال الفترة الماضية ، والتي يدفع ثمنها ، تعدُّ صفحات بيضاء تضاف لسجله السياسي ، وعاجلا أو أجلاً ستكون مواقفه هذه رصيداً يمنحه تفوقاً شعبياً واحتراماً تفرضه هذه الممارسات المتمسكة بالقيم وليس بالاشخاص او المواقف الأنية .
دمتم سالمين .