إعلان المجلس السياسي واحدة من الخطوات السياسية المرتبكة في تاريخ القضية الجنوبية ، وإيذانا بدخولها طور جديد من أطوار نزاع الزعامة بين الزعامات القديمة والجديد ، ومؤشر على دخول الجنوب منعطفا خطيرا يشبه إلى حد بعيد المنعطفات التاريخية القاتلة ، التي كانت عبارة عن ردود أفعال عاطفية أكثر مما هي خطوات سياسية مدروسة ، فحين لم ترتق النخب إلى مستوى اللحظة التاريخية التي أتخدت فيها مثل هذه القرارات المستعجلة و ما أكثرها في تاريخ الجنوب المعاصر ، إبتداء من طرد السفير البريطاني عقب الاستقلال ، مرورا بما تلاها من أحداث عاصفة أثناء حكم الرفاق التي إنتهت بأكبر كارثة سياسية في العصر الحديث حين شطب البيض دولة الجنوب من الخارطة الدولية بجرة قلم في لحظة ضعف مستعجلة ﻻتزال أثارها إلى اليوم ، قرار البيض يشبه في ظروفه وملابساته ومسبباته إعلان عيدروس الزبيدي إنشاء مجلس سياسي يمثل الجنوب من أقصاه إلى أقصاه .
وحتى ﻻنوغل في الأستشهاد بالأحداث التاريخية المماثلة التي كانت عبارة ردود أفعال عاطفية نتيجة لموقف سياسي أو خسارة سياسية ، لأننا أمام منعطف خطير يجب على العقلاء في الحراك الجنوب قبل غيرهم تداركه ، لأن المضي في مثل هذه المشاريع عاقبته وخيمة على المستوى السياسي والاجتماعي .
فالمجلس السياسي المعلن ﻻيستند لأي مشروعية قانونية ، وﻻيستند إلى أي ترتيبات تنظيمية ، فهو نتاج لحظة إنفعال عاطفي تجاه موقف معين ، دفع ببعض القوى إلى الاصتفاف بدوافع مناطقية وليست وطنية ، حين رأت أنه تم الغاء شراكتها ؛ تلك الشراكة التي يشبه أتخذ قرارها خطوة إعلان المجلس السياسي ، من حيث مفاجأة أتخذ القرار ، والمضي في ركب لا يعلم أين منتهاه ؟ وﻻ ماهي مآﻻته وعواقبه ؟
فالتفويض الذي زعم البيان أن الجماهير منحت اللواء عيدروس الزبيدي إياه في المضي في تشكيل مجلس سياسي يمثل الجنوب داخليا وخارجيا ، لم يسمع به شعب إلجنوب إﻻ من وسائل الإعلام ، فإصرار القائمين على أن هذا الإعلان تفويضا من الشعب يشبه تماما اللحظة التي وقع فيها البيض على الوحدة حين وهم ومعه بضعة نفر أنهم هم الشعب .
استثناء كثير من القيادات الحراكية المؤثرة التي لن تستسلم لهذا الأمر باختزال نضالها ، وتحجيمها، أو بالوصاية عليه من قبل مكون سياسي أو جهوي ، وهذا سيؤدي إلى احتفاض هذه المكونات والزعامات الحراكية بأطرها التنظيمية مما سيزيد من حالة التشظي الذي يعاني منها الحراك منذ إنطلاقته ، وهذ التشظي سيجد من يمده بالحياة وستكون نتيجة ذلك تحويل الساحة السياسية الجنوبية إلى كانتونات صغيرة تحركها نوازع مناطقية وليست وطنية وهذا بدوره سيقود إلى صراع الضعفاء .
سلق التشكيل التنظيمي الأعلى دون الإستناد إلى أطر تمثل القواعد الجماهيرية للحراك ناهيك عن شعب الجنوب الذي يزعم المجلس تمثيله ، وأكبر دليل على أن القرار أتخد على عجل أنه لم يستند أي آلية متعارف عليها ، فلم يتم تشكيله عن طريق الانتخاب الحر ، وﻻ فقا لقاعدة التمثيل النسبي وفقا لعدد محافظات ، و مديريات جمهوربة اليمن الديمقراطية ، ولم يعتمد على التمثيل السياسي للمكونات السياسية والاجتماعية المنضوية تحت هذا المجلس لأن المحلس في الحقيقة يتكون من طيف واحد فقط ولم تشارك فيه بقية المكونات السياسية واﻻجتماعية على الساحة الجنوبية .
لم يحدث في تاريخ الحركات السياسية ، والتنظيمات الحزبية ، أن يتم تشكيل مجلس بلدية في فترة ﻻ تتعدى أسبوعين - بما فيها من الإرتباك والضبابية - فكيف بمجلس يدعي تمثيله للجنوب من أقصاه إلى أقصاه ، والمضحك في الأمر أن هناك محافظات تم اختيار ممثلين عنها دون الرجوع إليها ، وﻻ حتى الرجع إلى الأشخاص المعينين أنفسهم ، والدليل على ذلك رفضهم لهذا المجلس ، وأنهم ليسوا جزءا من هذا الكيان .
ألغى هذا الإعلان ضمنا حق أبناء الجنوب الذين لهم رأيا سياسيا مغايرا تجاه القضية الحنوبية ، بما فيها بعض المكونات الحراكية ، والأحزاب السياسية ، والهيئات الوطنية ، ومنظمات المجتمع المدني ، والمكونات الاجتماعية ، وهذه الخطوة تشبه ما قامت به الجبهة القومية بعد اﻻستقلال حين أقصت جميع الأحزاب والمكونات السياسية قبل أن تشبعها تنكيلا وتشريدا ، ونعتها بأقذاع الأوصاف وأبشعها ، وتوزيعها عليهم مابين مرتزق ورجعي وخائن وإمبريالي وبرجوازي وثورة مضادة .
سعيد النخعي
عدن 12/مايو /2017م