بقلم / سعيد النخعي
في مشهد تراجيديا يعكس صراع المشاريع الهزيلة بين أبناء الأرض وأبناء السماء ، صراع عموده الولاء ، وذروة سنامه الطاعة العمياء ، قفز صالح على ثوابت الثورة ، في لحظة أعماه الانتقام وأصمه ، وحاول إقناع نفسه أنه الحاوي الوحيد الذي يجيد لعبة البيضة والحجر ، أو الراقص على رؤوس الثعابين كما يصف هو فترة حكمه ، و قفزت جماعة الكهف أيضا على ثوابت الثورة ، والجمهورية بل تعدت ذلك إلى القفز على الثوابت الدينية والقومية ، فأعمتها هي الأخرى ؛ وأصمتها الشعارات الثورية الرنانة على طريقة الحركات اليسارية في القرن الماضي حين أرادت تعميم ما انتهت إليه من قناعات ومبادئ كخيار وحيد لحكم العالم .
كان تحالف الحوثي وصالح نتيجة طبيعة للمزج القسري بين حسرة ضعف الزنابيل ، ونشوة نصر القناديل ، استطاع الحوثي وصالح جمع فلولهما في خندق واحد ، وضع الملكي شعار الجهورية على رأسه ، وتوشح الجهوري شعار الملكية ، في عملية مزج قسري حضرتها المصالح والاطماع الشخصية وغاب عنها الوطن .
تناسى صالح في لحظة من لحظات ضعفه القليلة والنادرة ، الجمهورية التي أتت به إلى الحكم ، وأنساه حقدة على خصومه السياسيين مشروع حلفائه ، بعد إن أصبح لا يرى ولا يسمع إلا ما وافق هواه ، واشبع شبقه من السلطة ، فالقاعدة الشيطانية التي حكم بها صالح اليمن ثلاث وثلاثين سنة تقول : (الغاية تبرر الوسيلة ) مهما كانت قذارة هذه الوسيلة وبشاعتها ، وفي مقابل ذلك تناسى صبي الكهف في لحظة من لحظات النصر القليلة والنادرة في حياته الثورة التي لفظت مشروعه منذ أكثر خمسين عاما ، بعد أن حالت لحظة النصر النادرة والعابرة دون النظر إلى بقايا أشلاء مشروعه الذي تحطم على أسوار صنعاء في ملحمة السبعين يوما .
نسي صالح إن جيناته الوراثية التي يحملها وفقا للنظرية السلالية التي تقوم عليها العقيدة السياسية لحليفه الحوثي لا تؤهله لحمل حتى صفة مواطن ، فكيف ستمنحه لقب حاكما ؟ ونسيي الحوثي حجمه السياسي ، الاجتماعي ، والمذهبي حين أراد أن يعمم تجربة إيران الصفوية على بلد سني يقع على مشارف البيت الحرام ، تناقضات تقف أمامه الفلسفة حائرة ، والمنطق عاجزا ! و تحالف لا يملك من مقومات البقاء والاستمرار سوى دهاء رجل عجوز ؛ يحاول إعادة إنتاج نفسه ، وصبي غبي يحاول أعادة مجد سلالته .
وفي الحيز الواقع بين دهاء العجوز ، وغباء الصبي ، وجد شعب نفسه في أتوان صراع إقليمي ليس له فيه ناقة ولا جمل ، صراع جير العجوز كل ما اورثته إياه سنون حكمه الطويلة من مال ونفوذ وسلطة ؛ للعودة إلى الحكم ، وجيرت قوٍ إقليمية خبيثة غباء صبي الكهف لتحقيق مصالح خاصة بها ، وتعزيز مواقفها التفاوضية في أروقة المحافل الدولية ، لخدمة مشروعها النووي ، وتعزيز نفوذها في المنطقة ، وبين دهاء وخبث العجوز ، وغباء وجنون الصبي وجدت اليمن نفسها محشورة في مساحة ضيقة تغطي وجهها الحرائق ، والجثث المتفحة ، وتغطى سماؤها كثبان سحب الدخان الممتزجة برائحة البارود والجلود المحترقة ، ليجد الإنسان نفسه على ما تبقى له من رقعة الوطن الصغيرة فريسة للموت والجوع والأمراض الفتاكة .
لذا أصبح لزاما على اليمنين لمَ شتاتهم ، وتجميع قواهم الوطنية الحية ، إذا اردوا مغادرة منطقة الحرائق الضيقة التي حشرهم فيها العجوز والصبي ، والالتفاف حول مشروع وطني جامع ، يضمن حقوق الجميع ، والمساواة بين الجميع ، وإعادة ترتيب البيت اليمني على أسس وطنية ، في دولة شعارها الحياة ، لا دولة تعمد حكمها بالموت ، ولا جماعة يبدأ شعارها بالموت ، شبعنا موتا ، شبعنا قتلا ، شبعنا مرضا ، شبعنا قهرا، شبعا ظلما واستبداد ، وشبعنا حتى التخمة شعارات فارغة لاتسمن ولا تغن من جوع .
لابد من الخروج من المنطقة الضيقة التي حددها لليمن العجوز والصبي ، لأن أي تفاوض ينطلق من هذه الزوة الصغيرة سيلج باليمن أما إلى مشروع السيد ، أو مشروع الزعيم ، يجب على اليمنيين استغلال حالة التنافر بين طرفي التحالف للإجهاز على عليهما ، من خلال ضربهما ببعض للبناء على انقاض مشروعهما مشروع اليمن الجديد ، يجب على القوى اليمنية الحياة الباحثة عن حياة كريمة لمَ شتاتها ، وتجميع قواها تحت راية مشروع وطني واقعي بعيد عن الشطط والشعارات الفارغة .
لن تغادر اليمن الزوة الصغيرة الملتهبة إلا متى ما توقف اليمنيون عن القفز على الواقع التاريخي ، والثقافي والسياسي ، والاعتراف بهذا التنوع ، واستثماره في التنافس والبناء ، لا للتدمير والهدم ، وعلى الجميع أن يدرك إن المشكلة يمنية ، ولن يكون الحل إلا يمنيا ، ومن يرى خلاف ذلك فليركب في السفينة الغارقة التي يتنازع قيادتها العجوز والصبي .
سعيد النخعي
عدن 23/ أغسطس / 2017م