------------------------------------
لفت نظري مقالين مهمين أحدهما لثعلب الدبلوماسية كما يسمى في عالم الدبلوماسية وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، والآخر لزاهر بن حارث المحروقي وهو مفكر من سلطنة عمان كما عُرّف في مقدمة مقاله عن سقوط الدول الخليجية في فخ الأبتزاز الغربي والأمريكي منه على وجه الخصوص.
يعيش العالم العربي حالة من أضطراب التحلل كما وصف كيسنجر بما يعني أن النظام الذي قام في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى في هذه المنطقة يتحلل، أي ينهار ويذوى. ترك كيسنجر العبارة مفتوحة لكني على يقين أنه يقصد أن الحدود رسمتها إتفاقيات سايكس بيكو والدول التي قامت على إثرها، أو تلك الدول التي أنشأتها بريطانيا وفرنسا في هذه المنطقة قد تفجرت مثل العراق وسورية وليبيا واليمن أو في طريقها للإنفجار ويقصد بالتأكيد مصر والسعودية ودول الخليج. ويؤكد هذه الفرضية المفكر العماني وهو يصف الأزمة الخليجية الحالية مع قطر بمن يجز رقبته بالسكين، ويتابع أن السعودية ودول الخليج وأثناء هذه الأزمة، وحربها ضد بعضها كشفت للغرب عن معلومات إستخبارية هائلة أدهشت الغربيين أنفسهم عن دور هذه الدول في التدمير والخراب الذي حاق بمنطقة الشرق الأوسط وخصوصاً العراق وسوريا وليبيا واليمن ودعمها للإرهاب في المنطقة الذي هز السلم العالمي كله.
نحن يهمنا في هذا المقال الحالة اليمنية وإرتباطها بما يجري، وهل أضطراب التحلل الذي يهز أركان اليمن الأربعة سيقف عند حدود معينة أم أنه سيتوسع حتى الأنهيار والتشظي الشامل، وهل السعودية والإمارات وهما الدولتان اللتان تقودان الحرب في اليمن بمنأى عن شواظ الإنهيار وتداعياته إذا ما حصل في اليمن وهو تحت وصايتهما اليوم إثر عاصفة الحزم.. أسئلة بحاجة أن يقف أزاءها ليس السياسيين فحسب بل والكتاب والمحللين الإستراتيجيين لوضع تصور وتعريف شامل لما يجري وآثاره الإستراتيجية لعل صانعي السياسيات يقفون عند حدوداً معينة وهم يقودون هذا الأنهيار الشامل.
اللحظة التي تقاطرت فيها (شاصات الله) نحو صنعاء كانت لحظة سقوط الدولة اليمنية منذ بداياتها الأولى التي تأسست عقب الحرب العالمية الأولى على يد الإمام الزيدي يحي بن حميد الدين، تلك الدولة التي تشكلت ملامحها أنذاك وما أستتبع تاريخ تأسيسها من توسع حتى ضم تعز وتهامة في العام ١٩٢٤ بعد التنصل ونقض إتفاق (دعان) بين الأتراك والإمام لحماية سنّة اليمن الأسفل، وما أستتبع ذلك من حروب الزرانيق وغيرها، وصولاً إلى تحول هذه الملكية إلى جمهورية في ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢، وصولاً إيضاً إلى توحدها مع الجنوب وقيام الجمهورية اليمنية في ٢٢ مايو ١٩٩٠. هذه الدولة التي سيمر العام القادم مذكراً بمرور مئة عام على تأسيسها قد أنهارت كلياً مع وصول الحوثي حليف إيران إلى صنعاء.
الإنقلاب الذي جرى في صنعاء لم يستطع العودة بالبلاد للماضي الملكي لكنه قضى على الجمهورية وفجّر حرباً دمرت الأخضر واليابس وشرد قيادة الدولة إلى الرياض وأقام دويلة طائفية في صنعاء وبعض محافظات الشمال وفجراً صراعاً في المحافظات الأخرى ودفع بالجنوب دفعاً للوصاية الإماراتية، فالإنقلاب دمر كل شي وبعد عامين ونيف من الحرب أصبح الجمود يلف الوضع بشكل كامل.
الجمود سيد الموقف في جبهات التماس بين الشرعية والإنقلابيين، أيضاً إنتقالي الإمارات في الجنوب أُدخل الثلاجة، مستعينين بعلاقات شكلية بديلة مع الحكومة، والجميع يترقبون نتائج الصراع المحتدم في صنعاء بين عفاش والحوثي، وكثيرون وبينهم دول التحالف يتمنون إنتصار عفاش للخلاص من ورطة اليمن وكابوس الحوثي، لكن الوضع والمعطيات على الأرض تظهر عكس ذلك فعفاش تقريباً أصبح تحت الأقامة الجبرية وما إتصاله بحسن نصرالله ليتوسط له بالسماح له بإلقاء خمس كلمات في أنصاره بميدان السبعين إلا دليل على الضعف والهوان الذي وصل إليه، وهو حالياً مثل الثوب الأحمر في يد المصارع الإسباني الذي يلوح به للثور لإيقاعه وغرس رماحه في ظهره. المعركة في صنعاء حسمت لمصلحة الحوثي والصراع حالياً محتدم للسيطرة على عدن وأظن أن الإمارات وحلفائها الذين يقاتلون منذ زمن لإضعاف الشرعية وضرب الرئيس هادي في مكامن قوته ومحاصرته وعدم السماح له بالعودة إلى عدن إذا أيقنوا أن عفاش أصبح ورقة محروقة لن تستخدم مجدداً سيفجرون الوضع في عدن للسيطرة على المدينة لأن الشرعية هي البديل وهي المتواجدة في ميدان القتال ضد المشروع الإنقلابي وهم لا يريدونها، وفي هذا السياق جاء إعادة الرئيس هادي من المطار لكي لا يحضر عيد الأضحى بين الناس في عدن.
الإمارات لا تسعى لفصل الجنوب بل للسيطرة عليه مفككاً وما تأسيس النخب العسكرية المحلية على تلك الشاكلة إلا تنفيذاً لهذه السيطرة على الأرض، وتسعى شمالاً لدعم عفاش وتهيئة أبنه للسلطة، لكن مشروع الإمارات تعرض في الشمال للفشل بسيطرة الحوثيين الكاملة على صنعاء وفي الجنوب سيفشل أيضاً لأن التواجد العسكري والدعم المادي لا يأتي لمساعدة اليمنيين لإستعادة دولتهم بل تنفيذاً لمشروع مشبوه تقوده الإمارات في الجنوب وقريباً ستعرف الناس الحقيقة وستنفض عنهم.
لعل المملكة العربية السعودية تدرك أن تحلل اليمن وتفككه سيكون المقدمة الطبيعية لتفكك المملكة نفسها فالمجال الجغرافي والإستراتيجي واحد، وطبيعة المشكلات واحده فالعلل الطائفية والمناطقية متشابهة في البلدين ونشؤ دويلات في اليمن سيغري المكونات المحلية في المملكة للخروج من شرانقها، وأبوظبي ستكون رأس الحربة في هذا المشروع لذلك فأن الموقف الطبيعي للمملكة العربية السعودية هو الحفاظ على اليمن موحداً في صيغة إتحادية كما أقر مؤتمر الحوار الوطني مالم فأن أضطراب التحلل سيضرب المنطقة برمتها كما أسلفنا.
#صالح_الجبواني