أراد الحوثي وعفاش السيطرة على عدن حتى يكسروا شوكة الشعب اليمني عموما والجنوبي خصوصا لكن ابناء عدن خرجوا وتصدوا لهذا العدوان، وكانت المساجد التي دأب الحوثيون على تدميرها، هي غرفة العمليات التي يتم فيها حشد الشباب وتجهيز المقاتلين في الجبهات، وهي المركز الإعلامي والإرشادي للمعارك حتى انتصرت عدن. وبانكسار المد الحوثي في عدن، تكسرت معه طموح طهران في السيطرة على باب المندب من خلال فرض سلطة موالية لها، وهذا ماكان يعمل الحوثيون للترتيب له من قبل الحرب على عدن، وقد تجلى في زيارات بعض قياداتهم لعدن عقب اسقاط صنعاء، لعل ابرزها زيارة محمد البخيتي، في محاولة منهم لايجاد شخصيات جنوبية تتبنى مشروعهم وتتحالف معهم لخدمته، مع تسويق الوهم المتمثل في تسليم الجنوب لتلك القيادات.
لكن اوهامهم تلك قد تكسرت على صخرة الواقع الجنوبي الذي فرضته المقاومة بصمودها الأسطوري الذي كتب النصر لعدن، وهو النصر الذي جعل الناس تكبر وتهلل فرحا به، ولكن سرعان ما بدأ الخوف والرعب يتسللان بسبب مايحدث من محاولات لزعزعة استقرار المدينة واظهارها بأنها غير آمنة وغير قابلة للتعايش.
الأمر الذي جعل الجميع يتساءل: هل هذه هي المدينة التي ضحينا من أجلها، وحلمنا بواقع جديد يسودها، واقع لايليق إلا بها بوصفها مدينة التعايش والمحبة والسلام؟
واقع مابعد الحرب أوجد قوى لا يروق لها التعايش والقبول بالآخر، فعملت أدوات هذا الواقع على تمزيق المقاومة ووجدنا رفاق الجبهة الواحدة والخندق الواحد على طرفي نقيض. وماكنا نشكو منه بالأمس وثرنا ضده، يعاد استنساخه بصورة فجة، اعتقالات، اغتيالات، انتهاك حرمات البيوت، دون مبرر، إلا في إطار اللعبة الكيدية ذات الطابع السياسي الممجوج.
على الضفة الأخرى من الواقع الراهن، تواجه الجميع تساؤلات من طينة: هل يملك الجنوبيون القدرة على التخلص من هذا الواقع الذي يسيء لتضحياتهم وحقهم في العيش الكريم؟ هل يستطيعون العيش بدون الإقصاء والتخوين والتشكيك في وطنية بعضهم ورفضهم للآخر ومصادرة حقه في التعبير عن رايه بعيدا عن موجهات الإرهاب الفكري؟ هل يرفضون استبدال مقاومتهم الحقيقية بأخرى لم تكن حاضرة في ميادين الشرف والعزة؟ هل يملكون القدرة لحماية علمائهم وأهل الفكر من التصفيات الجسدية التي تنالهم تباعا؟
إن مايحدث اليوم في اليمن عموما وفي عدن تحديدا، ليس بمعزل عن ذات المخطط الذي رسمته ايران للسيطرة على العراق وضرب مشروع الدولة الوطنية، حتى يتسنى لها تصدير ثورة ولاية الفقيه. فهي تعمل وفق آليات محددة، كما ذكرت ذلك عديد من الدراسات الايتراتيجية، ومن تلك الأدوات:
1. احتواء القيادات والتيارات المتنافسة، ذات التوجه الفكري الواحد.
2. تسلل المخابرات الإيرانية وأذرعها للمنطقة العربية.
3. تدفق الأفراد والأموال، ونقل الأفراد للتدريب في قواعد المخابرات الإيرانية ومعسكرات الحرس الثوري.
4. السيطرة على الإعلام من خلال انشاء صحف وفضائيات تديرها مخابراتها المركزية، بهدف بث الفرقة والفتن بين ابناء النسيج الاجتماعي الواحد، والتشكيك في الرموز السياسية والدينية داخل كل مجتمع.
5. وضع برنامج متكامل بالتصفيات الجسدية للمئات من الضباط والطيارين ورجال المخابرات والعلماء.
6. مطاردة وازاحة القوى الوطنية والإسلامية المعادية للتوجه الإيراني، مع تقديم الدعم المالي والمخابراتي واللوجستي للقوى المؤيدة.
7. محاولة خلخلة الأوضاع السياسية والعمل على اضعاف الحكومات التي لاتدين بالولاء المطلق للمشروع الإيراني، تمهيدا لخلق قيادة معادية للمشروع العربي.
8. محاولة طمس الهوية الثقافية الوطنية وتزييف الحقائق التاريخية، ودعم توجهات تغيير المناهج التعليمية لطمس الهوية العربية الجامعة.
ختاما، يحق لنا التساؤل: هل مايحدث اليوم في عدن يسير وفق الاستراتيجية الإيرانية المناهضة لمشروع الدولة الوطنية؟ ام أن للعقلاء كلمتهم الفصل وموقفهم الذي يقطع دابر الشك باليقين، من خلال المصالحة المجتمعية الشاملة وتعزيز قيم التعايش والقبول بالآخر ورفض الإقصاء والتهميش، وتوحيد الكلمة والصف التي من خلالها نستطيع مواجهة الخطر الأكبر وتحدياته؟