الإعلام مهنة تقدم رسالة وطنية , مهنة أذا فقدت الشفافية فقدت رسالتها , لتتحول لمجرد بوق يلمع السلطة والمتسلط , تتحول لأداة في التركيبة العامة للاستبداد , تغذي الطغيان والعنجهية فيه , و وسيلة قذرة للترويج للأكاذيب والإشاعات والمناكفة .
نحن في زمن الثورات الشعبية , التي فاق على أثرها شعب وجد ثوراته الوطنية تفقد جوهرها وقيمها ,وامتطاها مستبدون تحولوا لطغاة وجلادين وسجانين , ثاروا لأجل استعادة أوطانهم , وإعادة روح الحرية والعدالة لواقعهم , ثاروا رافضين الباطل والانغلاق وتقييد الحريات , للانطلاق لرحاب العصر والنهضة والتقدم , رافعين لواء الديمقراطية والشفافية وحرية الرأي والرأي الأخر والتنوع وقبول الأخر والتعايش في وطن يستوعب كل أبنائه بأطيافهم ومشارقهم السياسية والفكرية والعرقية , هذه هي معالم العهد الجديد , من يمتلك الوعي والقناعة لكل ذلك هو القادر على الاستمرار والتكيف والمواكبة ليكون جزءا من الحل والنهضة والتطور , وفاقد الوعي والمسكون في وهم التسلط والاستبداد , يعتقد انه وريث الماضي لفرض كيانه مستبدا فكرا وقناعة على واقع الآخرين , هو المشكلة و وسيواجه تصدي ورفض من قبل كل العقول النيرة والطامحة والمنفتحة على المستقبل والعصر الجديد .
الحق بأن والباطل بأن , مهما فرضوا واقع مشحون بالمغالطات والأكاذيب والتهم والتكفير والشيطنة , سلوكهم وثقافتهم وأفكارهم وقناعاتهم تفضحهم , فالباطل جبان , ترعبه وسائل الإعلام , يكره الشفافية وبروز الحقائق , ويعيش في واقع الإشاعات والكذب والنفاق , وسائله المناكفة وخلط الأوراق .
وما يتداول اليوم عن قوائم سوداء لقنوات إعلامية ومواقع الكترونية , هو صورة مكرره للانقلابين , مسلسل لتقييد حريات الأعلام والصحافة , وتجريم كل رأي مخالف تحت مبدأ ( اخرس أنت محرض ) سيأتي دور الجميع كأفراد وصحف ومواقع التواصل الاجتماعي , يؤسس لنظام شمولي بفكر ولون واحد من يعارضه متهم مع سبق الإصرار والترصد .
لم نتعظ مما حدث ويحدث , الإرهاب يهددنا جميعا والانقلابين على مشارف الأرض , ونحن في مرحلة بناء تحتاج منا تكاثف الجهود تراص الصفوف , البعض امتلك شيئا من القوة والدعم , فاعتقد انه القادر على إلغاء وتهميش الآخرين وفرض واقعه وقناعاته وأفكاره باطلا وبالون الذي يروق له هو وهو فقط لا غير .
اعتقدنا أن الأوجاع والضربات المتتالية ستوحدنا, لكنها توحدنا في اللحظة وبعد هذه اللحظة تظهر للسطح الأنانية , الأنا وألانت , وتبدأ الأعمال الشيطانية والترويج للبطولة , وصورني يا جدع , وتوجيه الاتهام لكل من يخالفهم , وكلا ينصب نفسه قاضيا ويحكم ويطلب من الجهات التي تتبعه تنفذ حكمه , وتبدأ الانتهاكات ضد الأخوة في الأرض والعرض , وتستمر العملية لتهدر الدماء وتزهق أرواح بتحريض مبطن معلن وغير معلن , خارج أطار النظام والقانون والقضاء والنيابة .
هناك أيادي خفية تحيك كل هذه المؤامرات , البقية أدوات , عطلوا القضاء والنيابة لسنوات لهذا السبب , ملفات وتحقيقات , ومتهمين وخلايا إرهابية تم القبض عليهم ولا خبر ولا معلومة صمت رهيب وسكوت عجيب , المتهم أمامنا المسئول الذي أعلن بفخر القبض على الجناة , ونكتشف أن القضية خرجت من يده للفاعل الحقيقي من دوائر خارجية تعبث وتحرك العملية .
لن ينتهي هذا العبث , إلا أذا صحونا من الغيبوبة التي وضعونا فيها , صحونا من الماضي وثاراته والشحن المستمر لتجديد الفرقة والصراع والشيطنة للأخر , صحونا لنعرف أننا بحاجة لوطن يستوعبنا جميعا , بألواننا التي تشكل لوحه بديعة تسر الناظرين , متى سيكون , عندما نصحوا قبل الأوان , فالتاريخ لا يرحم .
احمد ناصر حميدان